الطبيعة وصناعة الحبكة في روايات إبراهيم الكوني وسمير يوسف

33 مشاهدة

لا يرتبط الحضور المتزايد للطبيعة في الرواية العربية، بتنامي الوعي عالمياً بالتغيرات المناخية والمشكلات البيئية التي تؤثر في تفاصيل الحياة اليومية فحسب، إنما بات هذا الفضاء بما يحمله من تمثلات رمزية وحضور في مجرى الأحداث عنصراً أساسياً في السرد، فهو يعبّر عن محاولة لفهم العلاقة بين الإنسان ومحيطه بوصفها علاقة وجودية وأخلاقية وسط الحروب والأزمات.

من بين النماذج البارزة في هذا الاتجاه، تجربتان تبدوان متباعدتين جغرافياً وزمانياً، لكنّهما تلتقيان في جوهر الرؤية: الكاتب اللبناني سمير يوسف في روايته غابة (دار نوفل، 2025)، والكاتب الليبي إبراهيم الكوني في عمله التأمّلي معزوفة الأوتار المزمومة (دار سؤال، 2016)، كلاهما يعيدان تعريف الطبيعة لا بوصفها خلفية للأحداث، بل بكونها قوّة حيّة تشارك في صياغة المعنى الإنساني، وتختبر حدود الحضارة المعاصرة في علاقتها بالكون.

يكتب الكوني بوعي أنثروبولوجي عميق يجعل من الطبيعة نصاً مفتوحاً للتأمل. الصحراء والثلج، الشجر والرياح كلها تتحوّل في نصّه إلى علاماتٍ للوجود الإنساني، في مزيجٍ من الفلسفة والميتافيزيقا والشعر. ولا يصف الطبيعة كما تُرى، بل كما تتجلّى، فحين يقول إنّ اصفرار أوراق الأشجار تجسيدٌ لأنفاس النزع الأخير، فهو يخلع على المشهد البيئي حسّاً إنسانياً خالصاً، يجعل من الدورة الطبيعية مرآةً للمصير البشري.

ينتقل الكاتب من الجنوب الليبي إلى الشمال الأوروبي، من صحراء الطين إلى ثلج الألب، غير أنّ هذا الانتقال لا يُبطل جوهر رؤيته: فسويسرا، الوطن البديل، ليست نقيض الصحراء بل انعكاسها في مرآة أخرى. هناك، في الفردوس البارد، يختبر الكوني الغربة ذاتها، ويتساءل: هل يمكن للإنسان أن ينفصل عن طبيعته الأولى؟

يتحوّل المكان عنده إلى حقلٍ دلالي للبحث عن الأصل لا عن الجغرافيا. كل تضاد (صحراء/ثلج، جنوب/شمال) ليس سوى صدى لسؤالٍ واحد: أين يقف الإنسان من الكون؟ ومن ذاته؟

لغته الفلسفية التأملية تستدعي التراث الصوفي والحكمة القديمة، لكنها لا تنغلق عليهما، بل تمزجهما بتجربة المنفى الحديثة ليقول إنّ الطبيعة لم تَعُد مجرّد مأوى، بل كائنٌ حيّ نُسِيَ أن يُصغى إليه.

تشكّل الطبيعة عنصراً أساسياً في السرد بتأثيرها على الحدث

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح