الضمير الثقافي

24 مشاهدة

منذ عقود طويلة، لم يتوقف الحديث في سورية عن حرية التعبير، رافقته احتجاجات على التعسف في المنع، سواء كان المنع صريحاً من السلطة أو من الصحافة، فالصحافة تمنع كالسلطة، وذلك بالتحريض ضدها أحياناً، أليست هي السلطة الرابعة؟ لكن إذا كانت الرقابة الرسمية مفهومة من جهة النظام السياسي الذي يخشى الكلمة، فكيف نفسّر أن يتحوّل بعض المثقفين أنفسهم إلى رقباء، يطالبون بمنع زملائهم، أو بتهميشهم، أو بإقصائهم والتعتيم عليهم؟

المفارقة، أن يكون من يفترض أنه حارس الحرية، أن يتجاسر على اعتقالها.

في الواقع، ترك نظام الأسد آلية مُحكمة للرقابة، وذلك بالموافقة على تفويض المثقفين بها، وبطلب منهم، كان من نتائجها تسليط المثقفين على المثقفين، وهي رقابة لا يمكن أن يفلت منها كاتب، مهما حاول استعمال بلاغته في النجاة منها، فالمثقفون أدرى بحيل المثقفين، والأدباء أدرى بألاعيب الأدباء، لا تخفى عليهم، لا يقرأون الظاهر فقط، بل الباطن، وما يكمن بين السطور، وما خلفها وتحتها.

المعروف في الحياة الثقافية السورية، أن المنع غالباً لا يصدر عن وزارة الإعلام، بل بالدرجة الأولى عن اتحاد الكتاب بموجب ادعاء تمثيل الضمير الثقافي، ومعهم رقابة مسؤولي الأقسام الثقافية في الجرائد والمجلات، يمنعون ويسمحون من دون العودة إلى أحد، باعتبارهم من أصحاب الضمائر الموثوقين، الأدرى بضمائر الأدباء المشبوهة، فلا تمر عليهم ما يخدعونهم به من رموز بريئة، طالما التأويل سلاح ماض في إزاحة الغطاء عنها، وتحويلها إلى جرم خطير قد يورد صاحبها المهالك.

المثقف المسؤول هو من يدافع عن حرية الآخرين، كما يدافع عن حريته

الخطر الحقيقي أنهم يمارسون صلاحياتهم تزلفاً لأيديولوجية السلطة، للحفاظ على مناصبهم بإخلاص هستيري، يحيل المنع إلى فضيلة سياسية لا إلى قمع غير أخلاقي. وهكذا يتوارى الاستبداد في هيئة الضمير.

ترى إلى أي مدى ستسيطر هذه العقلية على هؤلاء الذين عهد إليهم بثقافة موروثة من تركة الراحل والهارب، كأنه لا فكاك منها بعدما غدت استعادة سهلة لوصفة جاهزة من مخزون تاريخنا الثقافي الذي بات نمطاً مجرباً ومضموناً، أثمرت مفاعيله طوال نصف قرن.

المشكلة أعمق

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح