عن الصناعة الثقافية في المغرب
تتسم الصناعة الثقافية في المغرب بخصائص مركّبة تجمع بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. فبالرغم من وجود سوق للنشر والفنون والفعاليات الثقافية، يبقى حجم الإنتاج والتوزيع محدودًا مقارنة بالحاجة المجتمعية، ما يضعف تأثير هذه الصناعة في تشكيل الذائقة العامة وبناء ثقافة مواطنة متينة. يعتمد جزء كبير من الناشرين على المُنتجات ذات العائد المضمون، ما يعكس هيمنة منطق السوق على المشهد الثقافي، بما يؤدي إلى إنتاج محدود في المجالات الأدبية والفكرية، رغم أهمية هذه النصوص في بناء وعي نقدي لدى الجمهور.
يتركّز إنتاج الكتاب المغربي بشكل شبه كامل على المواد المدرسية، التي تشكّل نحو 90% من الإنتاج السنوي للناشرين. هذا التركيز ليس مجرّد انعكاس للطلب، بل هو نتيجة سياسات اقتصادية تحكمها الربحية، حيث يُنظر إلى الكتاب على أنه سلعة تجارية أكثر من كونه أداة معرفية. يحدّ هذا الوضع من إمكانية تطوير جمهور قارئ مُتنوّع ومطلع، ويجعل الوصول إلى المعرفة عالية الجودة مقصورًا على فئات محدودة من المجتمع. في المقابل، تواجه الغالبية تحديات كبيرة في القراءة المُنتظمة، نتيجة ضعف القدرة الشرائية، ونقص المكتبات العامة، ومحدودية الفضاءات المُهيّأة للقراءة، ما يخلق فجوة واضحة بين الإنتاج الثقافي واحتياجات المجتمع.
منطق التمكين الثقافي وأهميته في المغرب
يبرز منطق التمكين الثقافي بكونه إطاراً يربط بين الثقافة وحقّ المواطنين في المعرفة، بعيدًا عن اعتبارها مجرّد سلعة. هذا المنطق يجعل الثقافة مُتاحة لكلّ الفئات، ويعتبرها أداة تمكين معرفي وتربوي، لا مجرّد ترف. ويؤكّد هذا المنطق أنّ الثقافة ليست رفاهية، بل ضرورة لتنمية الفكر والوعي المدني، وتمكين المواطنين من المشاركة الفاعلة في الحياة العامة. إلا أنّ تطبيق هذا المنطق في المغرب يواجه تحديات كبيرة، بسبب هيمنة السوق وقيود البنية التحتية الثقافية. فالكثير من المكتبات العامة والمدرسية تفتقر إلى التجهيزات الأساسية والكتب الحديثة، وغالبًا ما يفتقر القائمون عليها للتكوين الكافي لإدارة خدمات ثقافية متكاملة. كذلك إنّ غياب برامج وطنية للنهوض بالقراءة يجعل الوصول إلى المعرفة رهينًا بالفرص الفردية وليس بسياسات شاملة، ما يزيد من التفاوت المعرفي بين المواطنين.
يُنظر إلى
ارسال الخبر الى: