أنس الشريف صوت غزة الذي هابه الاحتلال وعجز عن إسكاته إلا بالصواريخ

وُلد أنس الشريف عام 1996 في مخيم جباليا، في زمن كان الهواء فيه مشبعاً برائحة البارود. نشأ بين جولات متلاحقة من النار، حرب تعقبها أخرى، حتى غدت حياته خيطاً مشدوداً بين الصواريخ والدماء.
وفي حرب الإبادة المستمرة إلى اليوم، لم يكن مجرد شاهد على المذبحة، بل كأنما وُكِل بحملها إلى العالم، لا ليستغيث، فقد أدرك أن العالم ترك غزة تُذبح، وإنما ليضع هذا العالم أمام صورته الحقيقية: قاسية، باردة، ومتواطئة.
رفض أن يغادر وهو في عنفوان شبابه، ورفض أن ينجو وحده تاركاً مدينته تُذبح. كان يدرك أنه لن يوقف المذبحة، ويعلم أن الاحتلال، وخلفه أعتى إمبراطورية على وجه الأرض، قد أصدر حكماً بقتله، وأن السلاح الذي ينتظره ليمزق جسده لن يخطئه، فهو من أحدث وأفتك ما أنتجته الحضارة. ومع ذلك، بقي في أرضه التي يلتهمها العالم، حتى حين غدا جسده هزيلاً من الجوع، وقلبه محطماً من فقد كل ما عرفه: البيت، المدينة، الأصدقاء، وحتى الصورة التي كان يحملها للعالم وأحلامه الصغيرة.
ظل واقفاً، وكأنه الفارس الأخير، يجر جسده المرهق وفؤاده الممزق بين ركام مدينته، يوثّق المجزرة تلو الأخرى. فقد أجبرته قسوة العالم على أن يصوّر، كل يوم، أطفال مدينته لا يركضون ويلعبون، بل ما تبقى منهم من أشلاء أمام عينيه، وأن يلتقط صور البيوت التي كانت يوماً بيت أهله وأحبابه وهي على عروشها، وأن يواصل البث بينما صوته مختنق بالرماد والحزن، وفؤاده معلّق على مشانق الفقد والقهر.
ما هذا الرجل؟! ولماذا كان يخشاه الاحتلال فيطارده ليقتله، وهو أعزل لا يملك سوى الحقيقة؟
كيف عرف العالم أنس الشريف؟
أنس جمال الشريف، مراسل الجزيرة في غزة، لم يكن مجرد ناقل خبر، بل كان بشيراً نادراً يأتي أحياناً بأخبار هدنة، ونذيراً دائماً يحذر من مغبة أن نُشيح النظر عن دماء الفلسطينيين التي لا تجف.
فخلال نحو عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، صار وجهه جزءاً من الذاكرة اليومية للعالم — وجه يخرج من بين الركام، يلتقط أنفاسه وسط الغبار، ثم يمد صوته
ارسال الخبر الى: