في رحيل داود عبد السيد اختبارات تصنع سينما وتحديات تواجه خرابا
كأنّ لعنةً تحلّ، فيغادر مخرجٌ سينمائي عربي آخر، إلى ذاك المجهول في أفق الحياة. داود عبد السيد يذهب إلى ذاك المكان، بعد صمتٍ أو اعتزال (فليُوصف بأي شيءٍ غيابه الأخير في الأعوام القليلة الفائتة)، نقمةً أو تعباً، أو قيلولة تمهِّد لموت، سيظلّ حاضراً في يوميات أناس غير قابلين إياه، فاعتياده مستحيلٌ.
والكتابة، في هذه اللحظة، موجعة. فألم وداع محمد بكري مستمرّ، وبين الموتَين السينمائيَّين، يرحل شاعر وممثل ومسرحي لبناني، يُدعى فادي أبو خليل، بعد اختفاء متعمَّد في نحو 20 عاماً. لكن الكتابة واجبٌ أيضاً، ورحيل عبد السيد بعد صمت أو اعتزال يذكِّر (أم أن التذكّر يوميّ؟) بسيرة واشتغال، وبعلاقة طيّبة يصنعها بتواضعه وهدوئه الظاهر، ورغبته في لقاء من يرى فيهم/فيهنّ نوعاً من راحة، أو شيئاً يُدركه هو ولا يُعلنه. الكتابة، بُعيد شيوع نبأ رحيله، صعبةٌ، فالموت كثيرٌ، والكلمات الصائبة يَقلّ عددها، والمهنة قاسية، والبحث في ماضٍ عن لقاءات وحوارات تلي متعاً إثر مشاهدة أفلامٍ له، وأحياناً يتجرّد اللقاء من كلّ سبب باستثناء رغبة اللقاء في القاهرة تحديداً، هذا البحث مُتعِبٌ، ففي اللقاءات كلام كثير، وفي الأفلام التي يصنعها ما يحثّ دائماً على تفكير وتأمّل وتساؤلات.
إحدى تلك المسائل في أفلامه، التي تدفع إلى تفكير وتأمّل وتساؤلات، كامن في اختياره من لا علاقة له بالتمثيل لتأدية أدوار أساسية. تجربة تُقرأ وتُناقش، لكن الآن يُكتب عنها، فهذا الاختيار اختبارٌ لما يملكه مخرجٌ سينمائي من قدرة على استخراج ما في ذات اللاممثل (أيجوز تعبيرٌ كهذا؟) من أدوات تمثيل، تلبّي حاجة درامية أو سردية أو جمالية يريدها المخرج ـ كاتب السيناريو غالباً، أو على خلق المُراد من داخل من يؤدّي هذا الدور أو ذاك. فرغم أنّ لوسي (سارق الفرح، 1995) وشعبان عبد الرحيم (مواطن ومخبر وحرامي، 2001) متورّطان في الفن (الرقص للأولى، والغناء الشعبي للثاني)، يجد داود عبد السيد فيهما ما يُفعِّل النصّ والتمثيل والحكاية والسرد، فتُصبح كلّ شخصية سينمائية امتداداً لعوالم فردية تكشف، بل تحاول كشف مخبّأ في بيئة واجتماع، كما في فردٍ
ارسال الخبر الى: