لم يكن جنوب تونس إلى نهاية ثمانينيات القرن الماضي مقصدا مهما للسياح رغم المقومات الطبيعية التي تختص بها الصحراء حيث ظل الزخم السياحي مرتبطا بالشواطئ التي تمتد على الساحل الشرقي للبلاد قبل أن يقرر عبد الرزاق شريط المغامرة بتحويل إرث عائلي إلى مقصد سياحي عالمي ويعد عبد الرزاق شريط الذي أعلنت وفاته الأحد الماضي عن سن 87 عاما رائد السياحة الصحراوية في تونس بعد أن قاد مسيرة تزيد على 6 عقود في العمل بقطاعات الأعمال والسياحة والثقافة والسياسة أسس خلالها أول نواة لصناعة السياحة جنوبي البلاد ولد شريط في عام 1937 وبعد فترة قضاها في مدرسة الدراسات المتقدمة في تونس التي توقفت الآن سافر إلى باريس عام 1961 لمتابعة الدراسات المصرفية والعمل لمدة عامين في البنك العام وفي عام 1964 انتدب من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل وأنشأ بنك الشعب وهو بنك نقابي يحمل شعار البنك الذي يقرض الفقراء الذي يمنح القروض الصغيرة للتجار والصناعيين الشباب والتعاونيات العمالية وفي عام 1966 غير بنك الشعب اسمه لأسباب سياسية وأصبح بنك الجنوب سنة 1970 دخل شريط غمار العمل في القطاع الخاص وانخرط في الصناعة الكهربائية وأنشأ في عام 1976 الجمعية المتوسطية للأعمال الكهروميكانيكية ثم تحول بداية من عام 1990 من الصناعات الكهروميكانيكية إلى صناعة السياحة والترفيه ليصبح لاحقا أحد أكبر الفاعلين في القطاع بعد أن اختار لنفسه وجهة خاصة بالاستثمار في السياحة الصحراوية بعيدا عن النشاط السياحي التقليدي على الشريط الساحلي للبلاد وتمكن شريط في غضون سنوات قليلة من تحويل الصحراء التونسية إلى قبلة للسياح العالميين والمحليين بعد أن تمكن من إنشاء أربع مساحات ثقافية وترفيهية وبنى فندق خمس نجوم ومتحفا يحمل اسمه ويعرض فن العيش التقليدي متحف دار شريط ومتنزه الشاق واق الترفيهي الذي يستقبل سنويا 300 ألف زائر تنشيط سياحة تونس في الجنوب ويعد متحف دار شريط الذي أنشأه الفقيد على أنقاض بيت عائلته أول متحف خاص في البلاد ويحتوي المتحف على عشرة صالات وغرفة لتلاوة القرآن ومطبخ وحمام وغرفة البلور إضافة إلى باحة صغيرة وتعرض مختلف الصالات الحياة اليومية من خلال تماثيل من الشمع والمنتجات التقليدية المختلفة كذلك تحتوي إحدى الصالات على معرض للوحات الزيتية هذا المتحف الذي يحمل اسم العائلة بات سببا لاكتشاف واحات الجنوب التونسي والانغماس في ثقافة وأسلوب حياة كامل بمدينة توزر كذلك استتبع ذلك النموذج المعماري سلسلة الفنادق والمساكن النموذجية التي حولته موقعا ذا جمال استثنائي انتخب شريط عام 1995 رئيسا لبلدية توزر حيث جعل من هذه الواحة مركزا سياحيا وثقافيا رائدا بعد أن أنشأ بنية تحتية فندقية هناك وأطلق خطط التنمية الحضرية وعمل من أجل الحفاظ على التراث المعماري للمدينة التي جعلها القلب النابض للسياحة الصحراوية كذلك استخدم شبكته الواسعة من الأصدقاء وكل ثقله للدفاع عن قضية المنطقة التي تركت لفترة طويلة لأجهزتها الخاصة لاحقا استعمل شريط أساليب متطورة للترويج للجنوب التونسي كوجهة سياحية مميزة حيث كان يوجه الدعوات إلى القنوات التلفزيونية الأجنبية الكبرى والصحافيين البارزين لتقديم برامج مباشرة من متحف دار شريط كذلك استضافت مجموعة شريط السياحية شخصيات أجنبية لامعة من رؤساء دول وحكومات ووزراء ونواب وروائيين ومفكرين وتحسب السياحة الصحراوية رافدا عاما لصناعة السياحة في تونس وتمثل توزر قلب السياحة الصحراوية وتتضمن أكبر المنتجعات الفندقية جنوبي البلاد ما ساعد على تدفق استثمارات جديدة في المنطقة التي كانت تعتمد سابقا على القطاع الزراعي وتحديدا إنتاج التمور وهذا العام احتل الجنوب التونسي المرتبة الخامسة ضمن قائمة أفضل 10 وجهات سياحية في العالم لعام 2024 ضمن التصنيف السنوي لدليل السفر والسياحة الشهير روتار وتعد المنطقة الجنوبية في تونس وجهة سياحية متميزة بواحات النخيل وشلالات المياه ورمال الصحراء الممتدة والقرى البربرية ذات المنازل المحفورة داخل الصخور وديكورات أفلام حرب النجوم وغيرها من المعالم والمناطق الطبيعية التي صنعت من جنوب تونس الملقب ببوابة الصحراء لوحة من المناظر الطبيعية الجاذبة للسياح