تمثل العمالة الهندية في دول مجلس التعاون الخليجي عنصرا رئيسيا في الاقتصاد وفي ظل اتجاه دول المجلس نحو توطين الوظائف يبرز تساؤل بشأن إمكانية استبدال العمالة الهندية بأخرى عربية أو وطنية تقضي على البطالة ومدى ما تمثله كثافة الهنود في أسواق العمل من تهديد لاقتصادات دول المنطقة فالعمالة الهندية لا تزال مفضلة لدى كثير من دول الخليج بسبب انخفاض تكاليفها مقارنة بالعمالة الأخرى ما جعل الجالية الهندية الأكثر عددا في دول مجلس التعاون وحسب بيانات البنك الدولي المنشورة بتقرير الهجرة العالمية لعام 2024 الصادر عن المنظمة الدولية للهجرة فإن الهند هي أول دولة على الإطلاق تتجاوز التحويلات المالية التي تستقبلها مستوى 100 مليار دولار من مختلف دول العالم وعزز ذلك من متانة العلاقات الاقتصادية بين الهند ودول الخليج لكنه لم يعط استثناء للعمالة الهندية من اتجاه توطين الوظائف في دول مجلس التعاون حسب تقرير نشره موقع ذا هندو في 12 نوفمبر تشرين الثاني الجاري مشيرا إلى تقديرات ترجح استمرار الاعتماد على العمالة الأجنبية في الخليج خصوصا في الوظائف ذات المهارات المنخفضة ما لم تنفذ مبادرات أتمتة كبيرة أعداد كبيرة من العمالة في الخليج كما أن الفجوة في الإنتاجية بين العمال المحليين والمهاجرين قد توفر فترة عازلة قبل أن يستبدل العمال المهاجرون بشكل كامل بحسب تقرير الموقع الهندي وبحسب المركز الإحصائي لدول الخليج لعام 2023 فإن عدد العمال الهنود في دول مجلس التعاون الخليجي قدر بحوالي تسعة ملايين شخص هذه العمالة تمثل جزءا كبيرا من إجمالي العمالة الوافدة حيث يتركز معظمهم في السعودية والإمارات ويعمل أكثر من 13 8 مليون أجنبي في دول مجلس التعاون الخليجي يمثلون نحو 69 3 بالمائة إجمالي الأيدي العاملة بالمجلس البالغة 20 مليونا حسب أرقام المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون ويضم مجلس التعاون الخليجي ست دول هي السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان ويبلغ عدد سكانه 53 مليون نسمة وتمثل الزيادة في عدد العمالة الهندية تعارضا مع الأهداف المعلنة رسميا لزيادة توظيف المواطنين الخليجيين وعلى سبيل المثال لا يزال العمال الهنود يمثلون نسبة كبيرة من القوى العاملة في القطاعات المختلفة بالمملكة خاصة قطاعي النفط والخدمات ولذا يخلص تقرير ذا هندو إلى أن الحاجة للعمالة الأجنبية في الوظائف منخفضة المهارة على المدى القصير ستظل مستمرة في الخليج لكن التطور التقني في تلك الدول سيعمل على تقليلها تدريجيا ويوصي الحكومة الهندية بتوسيع فرص العمل داخليا وخارجيا لمواجهة هذه التحولات عمالة رخيصة وفي السياق يشير الخبير الاقتصادي العماني خلفان الطوقي لـالعربي الجديد إلى أن الجالية الآسيوية بوجه عام والهنود بوجه خاص يتميزون بعمق تاريخي وأهمية اقتصادية متزايدة باعتبارهم من أقدم الجاليات الموجودة في بلدان الخليج مشيرا إلى تقديمهم خدمة العمالة الرخيصة مقارنة بالجاليات العربية ويوضح الطوقي أن الهنود يتميزون بنمط حياة اقتصادي يتسم بانخفاض التكاليف المعيشية بشكل كبير فضلا عن توفر البعد الثقافي المهم للجالية الآسيوية للعيش في بلدان الخليج حيث يتقن العديد من الخليجيين اللغة الهندية والأردية ما يسهل التواصل والتفاهم بين الجانبين ومن المميزات الجغرافية والتاريخية التي تعزز مكانة الهنود كاختيار مفضل لدى دول الخليج القرب من المحيط الهندي وبحر العرب ما أدى إلى نشوء علاقات تعاون تجاري متينة عبر التاريخ حسب الطوقي وفيما يتعلق بالاختلافات في متطلبات المعيشة يوضح الخبير أن العمالة العربية غالبا ما تكون مرتبطة بالتزامات مالية متعددة تشمل دعم الأسرة والترفيه الشخصي وهو ما لا يشترطه العامل الهندي بالضرورة وبالمقارنة تفضل أغلب الشركات والمؤسسات في دول الخليج مميزات العمالة الآسيوية بخاصة الهنود والباكستانيين والبنغلادشيين حسب الطوقي الذي يلفت إلى أن أبناء هذه الجنسيات يظهرون قدرة أكبر على العمل في مجالات معينة خاصة في قطاعي الزراعة والبناء وفي قطاع التجارة يشير الطوقي إلى تردد التجار بدول الخليج في التوسع باتجاه الاعتماد على العمالة العربية مع وجود تخوفات من نجاح التجربة في ضوء ارتفاع متطلبات تلك العمالة وإزاء ذلك يدعو الطوقي إلى وضع استراتيجية متوازنة لتركيبة القوى العاملة في دول الخليج وينبه إلى أهمية تحديد نسب محددة للجنسيات المختلفة لتجنب الاستحواذ أو الهيمنة من قبل جنسية معينة ويحذر الطوقي في هذا الصدد من العواقب الديموغرافية المحتملة التي قد تتعرض لها دول الخليج مؤكدا أن طغيان جنسية معينة يشكل خطرا على الاقتصاد والأمن الوطني للدول ويخلص الطوقي إلى ضرورة تدخل دول الخليج لوضع تشريعات تحدد النسب المسموح بها للجنسيات المختلفة بما يضمن التوازن الديمغرافي والاقتصادي للسوق