عندما قام الإمبراطور الصيني يو مؤسس سلالة شيا الحاكمة 2070 1600 ق م بتقسيم مناطق نفوذه إلى تسع مقاطعات فرض على رعاياه أن يقدموا أثمن الأشياء له ولعائلته تعبيرا عن الطاعة وهكذا بات الذهب والفضة والأحجار الكريمة وغيرها من الأشياء الثمينة تصل إليه لكنه بعد فترة من الزمن اعتبر مؤسس الأسرة الصينية الأولى أنه ينبغي إدراج سلال الحمضيات ضمن قائمة أثمن الأشياء التي ينبغي تقديمها له لا نعرف مدى صحة هذه الرواية فقد تكون أسطورة من أساطير التاريخ لكن بالعودة إلى التاريخ نفسه سنلاحظ أن الحمضيات لطالما شكلت إحدى عجائب الطبيعة فألوانها المذهلة ورائحة أزهارها القوية والعطرة وخصائصها الطبية جعلتها منذ العصور القديمة نباتا مرغوبا به في الحدائق والصيدليات ومخازن المؤن سواء في آسيا أو في بقية أنحاء العالم بهذه القصة يبدأ الباحث والمهندس وخبير الحمضيات الإسباني سلفادور سرقسطة أدريانسنس كتابه الحمضيات رحلة عبر التاريخ والفن الصادر حديثا عن مؤسسة لا فابريكا والذي يخوض فيه رحلة طويلة انطلاقا من أصول الحمضيات وصولا إلى اليوم حيث يبحث في أهميتها والدور الذي لعبته في تاريخ البشرية إضافة إلى مكانتها البارزة في تاريخ الفن يرافق الكتاب أكثر من ثمانين عملا فنيا تعكس الجوانب التاريخية والبيولوجية والتجارية وحتى الجيوسياسية المتعلقة بالحمضيات وكيفية تمثيلها فنيا عبر التاريخ حيث نجدها في اللوحات الجدارية للبيوت الرومانية وفي الدراسات النباتية العربية القديمة وفي اللوحات الفلمنكية من عصر النهضة وفي لوحات بوتيتشيلي وكارافاجيو وأيضا في النقوش الصينية من القرن السابع عشر وفي التقاليد التصويرية الشهيرة مثل اللوحات الإسبانية لكل من زورباران وريبيرا وسورولا وفي لوحات الفن الفرنسي عند مانيه وسيزان واتيس وصولا إلى الفنانين المعاصرين مثل توماس شوتي وتاسيتا دين يضم الكتاب أعمالا فنية عن جوانب تاريخية وجيوسياسية للحمضيات يؤكد الكتاب دور العرب في نشر الحمضيات كونها زراعة تطورت بشكل كبير في حوض البحر الأبيض المتوسط حيث كان لهم الفضل الأكبر في نقل تلك الثمار إلى الغرب عن طريق التجارة التي ربطت بين آسيا وأوروبا كما يتوقف بشكل مفصل عند أنواع الحمضيات التي وصلت إلى الغرب بفضل العرب بعد أن كانت مجهولة في أوروبا مثل البوميلو والنارنج والليم الذي عرف أولا في جنوب العراق وبلاد فارس وأيضا عند خصائص الحمضيات الطبية حيث يشير إلى استخدامه من قبل الأندلسيين في الطب كما هو الحال مع ابن جامع في القرن الثاني عشر إضافة إلى استخداماته في توابل الطهي سيشكل ملك الحمضيات البرتقال الحلو ثورة في أوروبا إبان القرن الخامس عشر إذ يشير المؤلف إلى الدور الذي لعبه التجار البرتغاليون في نقله من الشرق الأقصى حيث كان معروفا منذ زمن سحيق ومن الموانئ البرتغالية سيصل إلى إسبانيا وبالطريقة نفسها التي اكتشف بها كلمبوس بعض الخضروات في أميركا اللاتينية ستكون إسبانيا سبب انتشاره في المكسيك والبرازيل حيث تتوافر أراض خصبة لزراعته مع حلول القرنين الثامن عشر والتاسع عشر سنشهد وصول ثمار الحمضيات الجديدة وتسويقها تجاريا مثل الغريب فروت وهو ربما هجين عرضي تم تطويره في مزارع منطقة البحر الكاريبي أو اليوسفي الشائع ذو الأهمية التجارية الكبيرة القرن التاسع عشر هو قرن الكليمنتينا بامتياز ثمار أقل عطرية لكنها تمتاز بافتقارها إلى البذور المزعجة أما البحوث والمنشورات العلمية المتعلقة بالحمضيات وفقا للكاتب فقد تبلورت إبان القرن الثامن عشر