التيه برواية غزة

قال تعالى: “فَإِنَّهَا مَحْرَمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ” (المائدة: 26)، في إشارة إلى عقوبة إلهية فُرضت على بني إسرائيل بسبب عصيانهم وتمردهم، حيث لم يكن التيه مجرد حرمان جغرافي من دخول الأرض المقدسة، بل تجلّى كحرمان رمزي من البركة والتمكين الإلهي.
واليوم، وبعد مرور أكثر من 23 شهرًا على العدوان على قطاع غزة، تغرق دولة الاحتلال في تيه سياسي وعسكري غير مسبوق. فشلت في كسر شوكة المقاومة الفلسطينية التي اعتمدت تكتيكات غير تقليدية وشبكات أنفاق أربكت حسابات المؤسسة العسكرية. ورغم تفوقها العسكري والحصار المشدد، عجزت تل أبيب عن تحقيق أي نصر حاسم، بينما تتصاعد الانقسامات داخل الكابينيت حول خيار “احتلال غزة”، في ظل تحذيرات من كارثة إنسانية وتهديد مباشر لحياة الأسرى.
في مشهد سياسي متشظٍّ، تتعمق أزمة القيادة داخل الكيان بين تيارات تدفع نحو اجتياح غزة لتحقيق مكاسب سياسية، وبين أصوات فكرية وعسكرية وأمنية – أبرزها رئيس الأركان زامير الذي تتعرض لهجمات من محيط نتنياهو – تحذر من العواقب الكارثية لهذا الخيار.
ويعكس هذا الانقسام غياب التنسيق وارتباك القرار داخل المؤسسة الحاكمة، وتتزايد خطورته مع تراجع ثقة الجمهور بالحكومة، وتنامي دعوات من ضباط أمن سابقين لوقف الحرب وإعادة تقييم أهدافها.
وفيما تعلن شرائح من النخبة الفنية والأكاديمية تمرّدها السياسي، يوظف نتنياهو المحرقة كورقة مكشوفة ضمن “شيك سياسي مفتوح” من إدارة ترامب، لإعادة تشكيل بنية الدولة على أسس يمينية دينية. ويتضمن مشروعه تمكين المتطرفين، وإعادة هيكلة القضاء والجيش، بل وربما تمرير إعفاء شامل لطلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، ما يهدد التوازن العلماني التقليدي الذي شكّل لفترة طويلة جوهر البنية السياسية لدولة الاحتلال.
في مواجهة هذا المأزق المركّب، تمضي إسرائيل نحو خيار توغل محدود داخل غزة، عبر بقاء عسكري جزئي في نقاط استراتيجية، مع استمرار الحصار وتجفيف الموارد، دون إعلان احتلال رسمي أو ضم مباشر، تجنّبًا للتبعات القانونية والسياسية. وتستهدف هذه الاستراتيجية إنهاك غزة على المدى الطويل، عبر تعميق الأزمات المعيشية، وفرض نزوح قسري، وتأليب السكان على المقاومة. وتُستخدم
ارسال الخبر الى: