قال أول رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بن غوريون كل هجوم يجب أن يكون ضربة قاضية تؤدي إلى تدمير البيوت وطرد سكانها وذلك في أوامره للعصابات الصهيونية إبان شروعها في طرد الفلسطينيين من أراضيهم ومدنهم الأمر الذي يوضح منهجية عمل الدولة الصهيونية في نظرتها إلى السكان الأصليين وضرورة محوهم مقابل الاستيلاء على الأرض النكبة الأولى قال وزير الخارجية المصري في حكومة مصطفى النحاس السابعة محمد صلاح الدين في مايو أيار 1951 غزة وديعة عند مصر ولم تتخل عنها ولا تنوي أن تتخلى عنها وتكشف هذه العبارة إدراكا مبكرا لأهمية قطاع غزة للأمن القومي المصري وهو ما تبلور في حرص مصر على إدارة القطاع نحو عشرين سنة بداية من أواخر مايو أيار 1948 وحتى يونيو حزيران 1967 علاوة على حرص مصر تضمين اتفاقياتها مع إسرائيل على نصوص صريحة تضمن عدم المساس بوضع قطاع غزة أو لواء غزة كما كان يسمى ولم تكن مسألة الإدارة المصرية قطاع غزة الذي يقطنه أغلبية من اللاجئين الفلسطينيين من الأمور السهلة اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا ويجدر القول إن من أشهر من تولى منصب الحاكم الإداري العسكري لغزة اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر وقائد حركة 23 يوليو لاحقا فهو ثاني حاكم مصري إداري للقطاع من ديسمبر كانون الأول 1950 إلى نوفمبر تشرين الثاني 1951 وكان وزير الحربية والبحرية المصري قد أصدر الأمر رقم 227 بتاريخ 1948 9 8 القاضي بتعيين حاكم إداري عام للمناطق الخاضعة لرقابة القوات المصرية في فلسطين قطاع غزة وأناط به مزاولة الصلاحيات والاختصاصات التي كانت مخولة للمندوب السامي البريطاني وقد عانى القطاع من التهميش قبل ثورة الضباط الأحرار ونقلت الصحف المصرية طرفا من تلك الصعاب حيث انخفاض مستويات المعيشة والدخل وصعوبات جمة تواجه اللاجئين المتدفقين وعبر عن تلك الأزمة وفد من أعيان فلسطين وغزة قدم إلى القاهرة في مارس آذار 1950 وسمح لهم بمقابلة ثلاثة وزراء في وزارة النحاس ورفع أهالي غزة عدة مطالب للحكومة المصرية في مقدمتها قبول مصر ضم لواء قطاع غزة لها ولو مؤقتا واحتوت مذكرة رفعها كل من راغب النشاشيبي ووديع الطرزي وفائق بسيسو وغيرهم على التذكير بسوء الأحوال الاجتماعية وطلبهم تسليح أهالي غزة وتجنيدهم تحت قيادة مصرية علاوة على إقامة مشروعات زراعية وتنموية أو كما جاء في المذكرة تعاني الأغلبية الساحقة من شظف العيش وسوء الحال والتعطل عن العمل وما يعجز القلم عن وصفه الأمر الذي اضطر مصر إلى السعي الحثيث إلى إشراك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا في إدارة القطاع وتولي مسؤوليات التعليم والدعم الغذائي والصحي وقد بدأت الوكالة بالفعل في تقديم خدماتها بداية من شهر مايو أيار من العام نفسه 1950 وكانت الوكالة قد رصدت في عامها الأول ما يناهز 33 مليون دولار للاجئين الفلسطينيين في غزة والبلدان العربية في حين خصصت مصر ما يعادل 120 ألف دولار للإنفاق على المشروعات والتنمية في غزة لعام 1950 وفي الوقت نفسه أبلغ وزير الخارجية محمد صلاح الدين رفض بلاده طلب الضم حيث أوضح للوفد الغزي إن مصر لا يمكن أن تقع في الخطأ الذي وقع فيه غيرها لأن سياستها هي فلسطين للفلسطينيين من أشهر من تولى منصب الحاكم الإداري العسكري لغزة اللواء محمد نجيب وهو أول رئيس لجمهورية مصر وقائد حركة 23 يوليو لاحقا وتفاقمت المشكلات الاجتماعية والاقتصادية للاجئين في قطاع غزة وكانت نقاط الصراع مع سكانه الأصليين واضحة في بداية الأمر وظهرت بحدة حالة التنافس والمقارنة بين اللاجئ والمقيم ومع الإصلاحات الاقتصادية لحكومة ثورة يوليو نشأت في غزة منطقة تجارية حرة ووفد إليها المصريون للتسوق والسياحة على شواطئ غزة إلا أن الحالة المعيشية كانت تزداد صعوبة خصوصا مع تفاقم أزمة البطالة والتي تخطت حاجز 87 عام 1959 ولم تفلح مجهودات الحكومة المصرية وأونروا في علاجها بشكل فعال وصاحب ذلك تحول لاجئين عديدين إلى اختراق حدود غزة لقتال الجنود الإسرائيليين أو محاولة العودة إلى بيوتهم في فلسطين ومن ثم نشأت تنظيمات الفدائيين الفلسطينيين خصوصا بعد الهجوم الإرهابي الصهيوني على مخيم البريج للاجئين الذي تعرض له في أواخر أغسطس آب 1953 ردا على الهجمات المحدودة لشباب المخيم الحانقين على طردهم وتهجيرهم وما آلت إليه حياتهم فيه حيث هاجمته قوات إسرائيلية كبيرة بوحشية وقتلت 50 مدنيا على الأقل ودمرت مظاهر الحياة فيه واعتبرت تلك الحادثة بداية عملية لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم خصوصا وأنها استهدفت تدمير البنية الأساسية وجعل الحياة غير ممكنة وقد نشطت حركة الفدائيين الفلسطينيين ووجدت دعما قويا من حكومة الثورة خصوصا بعد حادثة الاعتداء الإرهابي على الحامية المصرية في فبراير شباط 1955 حيث خططت القوات الإسرائيلية عقب مقتل مستوطن إسرائيلي واحد لهجوم محكم هاجمت فيه منشآت المياه ومعسكر الحامية المصرية وقتلت وأصابت كل عناصر القوة المصرية التي كانت في الحامية وعددهم 39 جنديا فاتخذ الرئيس جمال عبد الناصر إجراءات جديدة ومختلفة بل واعتبر الحادثة نقطة تحول في المواجهة الصريحة مع إسرائيل وذلك عبر وحدات الفدائيين الفلسطينيين وكتائبهم تحت قيادة البكباشي مصطفى حافظ والذي اغتالته إسرائيل في 1956 وتأكد رفض عبد الناصر مشروعات التوطين التي طرحتها أونروا والولايات المتحدة في سيناء خصوصا بعد أن اشتعلت احتجاجات عارمة في فبراير شباط 1955 قادها الحزب الشيوعي الفلسطيني في غزة مع أطياف من الطبقة الوسطى الصاعدة في القطاع من طلاب المدارس والمعلمين والموظفين لرفض توطين لاجئي غزة إلى سيناء ولم تتوقف محاولات التوطين وإبعاد الكتلة السكنية خارج غزة وكانت البداية عقب توقيع الهدنة المصرية الإسرائيلية حيث تصاعدت الضغوط الدولية على مصر وعلى حكومة حزب الوفد التي رفضت بشكل قاطع أية محاولات لتوطين لاجئي غزة في سيناء أو نقل بعض منهم إلى عمق الأراضي المصرية مع الإصلاحات الاقتصادية لحكومة ثورة يوليو نشأت في غزة منطقة تجارية حرة ووفد إليها المصريون للتسوق والسياحة على شواطئ غزة ويمكن القول إن المحاولات الراهنة للتخلص من سكان غزة تعود إلى النكبة الأولى وما تبعها من التدخل العسكري لجيوش ست دول عربية في مقدمها مصر والأردن ففي نهاية الحرب وعقد اتفاقات هدنة رودس بداية من فبراير شباط 1949 وجدت إسرائيل فرصة في تسهيل قبولها عضوا في هيئة الأمم المتحدة عبر حضورها مؤتمر لوزان بسويسرا والذي عقد من نهاية أبريل نيسان 1949 وحتى 12 سبتمبر أيلول 1949 لبحث مسألة اللاجئين بشكل أساسي والتعويضات وعرضت إسرائيل على الدول العربية المشاركة في المؤتمر مقترحا بعودة مائة ألف لاجئ إلى فلسطين من أصل أكثر من 700 ألف لكنها اشترطت لقبولهم أن تكون عودتهم ليست بالضرورة إلى الأماكن التي غادروها في مقابل استيلاء إسرائيل على غزة أو ما عرف وقتها مشروع غزة إلا أن الدول العربية رفضت ذلك المقترح الذي ثبت أنه كان وسيلة لتمرير قبول إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة في يوم 11 مايو أيار 1949 عبر ادعائها قبول قرار الجمعية العامة 194 لسنة 1948 المعروف بـ حق العودة وينص على وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقا لمبادئ القانون الدولي والعدالة بحيث يعوض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من الحكومات أو السلطات المسؤولة وفي المقابل سحبت إسرائيل عرضها لتسوية قضية اللاجئين وقد فشل مؤتمر السلام الأول في لوزان في التوصل إلى حل قضية اللاجئين وعجل المندوب الأميركي بول بورتر بفض المؤتمر خصوصا عندما صرح إن المحادثات لا تجدي في لوزان وأن قضية فلسطين إذا أريد لها حل سياسي وجب معالجته من الزاوية الاقتصادية وكان الوفد الأميركي قد ضغط بشدة من أجل تنازل مصر عن منطقة غزة كما كانت تسمى وربط المندوب الأميركي في لجنة التوفيق بشأن فلسطين تأسست في ديسمبر كانون الأول 1948 بناء على قرار الأمم المتحدة 194 بين تنازل مصر عن غزة وتقديم المساعدات الاقتصادية للاجئين أو كما قال إذا لم يقبل اقتراح تنازل مصر عن غزة فليس هناك أمل في نجاح الاكتتاب لمساعدة اللاجئين إلا أن مصر رفضت في يوليو تموز 1949 تماما التنازل عن غزة لإسرائيل يسجل التاريخ ضغوطا متصاعدة قامت بها الولايات المتحدة وبريطانيا لإقناع مصر بقبول اللاجئين الفلسطينيين ويسجل التاريخ ضغوطا متصاعدة قامت بها الولايات المتحدة وبريطانيا لإقناع مصر بقبول اللاجئين الفلسطينيين ففي أوائل يونيو حزيران 1949 زار السفير البريطاني في القاهرة السير رونالد كامبل وزير الخارجية المصري أحمد خشبة وحاول إقناعه بقبول مصر عددا كبيرا من لاجئي غزة ربع مليون وإدماجهم داخل أراضيها ومواطنيها وأوضح السفير أن قبول مصر سيكون أسوة بما قامت به مملكة شرق الأردن وسورية بقبول عشرات الآلاف من اللاجئين في أراضيها ولم تطرح صراحة سيناء وتذكر التقارير أن الوزير المصري رفض تقديم إجابة على المقترح الأميركي البريطاني بل فضل العودة إلى حكومته التي رفضت بشكل قاطع تلك المقترحات بل وأصدرت الحكومة المصرية في الشهر التالي قرارا بإنشاء نقاط عسكرية للمراقبة على طول الحدود مع فلسطين على أن تتألف من رجال الحدود والجمارك لمنع تسرب اللاجئين وهجرتهم إلى أراضيها وترافق ذلك مع ترحيل سبعة آلاف لاجئ فلسطيني كانوا قد لجأوا إلى مصر من يافا عبر البحر أواخر مايو أيار 1948 حيث أمرت الحكومة بتحديد إقامتهم في معسكر العباسية في القاهرة ثم نقلتهم إلى معسكر القنطرة ثم نقلتهم إلى غزة أواخر 1949 لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية والغربية من أجل نقل جزء كبير من الكتلة السكانية في قطاع غزة إلى سيناء بل ثمة أصوات غربية لا تزال تحلم بإعادة مرحلة الإدارة المصرية للتخلص من العبء الأمني الذي تتحمله إسرائيل وذلك بتحميل مصر المسئولية الأمنية عن القطاع وهو ما صرح به جون بولتون المستشار السابق للأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والذي صرح إنه يجب إعادة الحكم في غزة إلى مصر وكان بولتون قد رفض حل الدولتين ودعا علنا إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر إشراك مصر والأردن في إدارة كل من غزة والضفة الغربية بدون الحاجة إلى تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم أصوات غربية لا تزال تحلم بإعادة مرحلة الإدارة المصرية للتخلص من العبء الأمني الذي تتحمله إسرائيل وذلك بتحميل مصر المسئولية الأمنية عن القطاع وكان الاصطلاح قطاع غزة قد عرف منذ ديسمبر كانون الأول 1953 عندما أصدر مجلس قيادة الثورة القانون 621 أو القانون الأساسي للمنطقة الواقعة تحت رقابة القوات المصرية بفلسطين ومن الجدير بالذكر أن قطاع غزة بحدوده الحالية جزء مقتطع من مساحة أكبر كانت تعرف إداريا بلواء الجنوب أو غزة الذي كان يضم مدينتي غزة وبئر السبع وتمثل المساحة الحالية بحسب دراسات وبحوث كثيرة منشورة ما لا يزيد عن 2 5 من مساحة اللواء ولم تكن غزة بمساحتها المقتطعة تلك والتي لم تتجاوز الـ 365 كيلومترا مربعا مستعدة لاستقبال عشرات الآلاف من اللاجئين من عموم فلسطين إليها ومن ثم نشأت مشكلة اللاجئين في غزة حتى صارت غزة مجتمع لاجئين أجبروا قسرا على مغادرة مدنهم ودورهم وعندئذ أقيمت المخيمات وتثبت الوثائق التاريخية الواردة عن تلك المرحلة أن عدة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين قد شرعوا في التدفق على الموانئ المصرية قادمين من مدن يافا وحيفا وعكا في مايو أيار 1948 ولم تسمح لهم الحكومة المصرية آنذاك بحرية دخول البلاد بل جمعتهم في معسكر العباسية ثم ما لبثت أن رحلتهم إلى معسكر القنطرة إلى أن جرى أخيرا إعادتهم إلى مخيمات غزة وأقيمت مخيمات اللاجئين في غزة ثم تغيرت الخريطة السكانية لغزة ذات الثمانين ألف نسمة لتصبح بين عشية وضحاها 230 ألفا لتصبح غزة من أكثر مناطق العالم نموا وتكدسا بالسكان وكذلك انخفاضا للدخل ومستويات المعيشة وجودة الحياة فالإغلاق والحواجز وفقر الموارد الطبيعية والممارسات الإسرائيلية القمعية تزيد من مصاعب الحياة اليومية وتحطم طموحات الناس وتطلعاتهم النكبة الثانية برغم كثافة الأحداث التي مرت بالمسألة الفلسطينية إلا أنه يمكن القول إن النكبة الثانية لغزة على الرغم أنها لم تنفصل عن نكبتها الأولى تعود إلى تقلد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الائتلافية بزعامة الليكود في مايو أيار 1996 حيث بدأ حكمه بإظهار سياسته الرافضة مبدأ الأرض مقابل السلام وكان واضحا أنه يريد تقويض ما توصل إليه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين من اتفاقيات بالإضافة إلى بروز نهجه الاستيطاني والذي استأنفه في ديسمبر كانون الأول 1996 وشرع في فبراير شباط 1997 في بناء مستوطنة جبل أبو غنيم القريبة من القدس الشرقية في إطار تهويد مدينة القدس وبدون الاستجابة للمطالبات الدولية بتجميد الاستيطان حتى إن جهودا بذلتها وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت لحث نتنياهو على تجميد الاستيطان لم تفلح حينذاك بل إن تقريرا أمميا صدر ليشير بوضوح إلى أن استئناف الاستيطان في القدس الشرقية قد قلص من الرؤى الإيجابية لدى عموم الفلسطينيين وعمل نتنياهو على التملص من أية التزامات تجاه الحقوق الفلسطينية وتعطيله أية تفاهمات تتم برعاية أميركية مثل مذكرة واي ريفر التي وقعها في فبراير شباط 1998 برعاية الرئيس كلينتون ورغم تقلد إيهود باراك رئاسة الوزراء فإن الفشل تلو الفشل زاد من تراكم الغضب لدى الشعب الفلسطيني ولم تفلح قمة كامب ديفيد في يوليو تموز 2000 بإحراز تقدم في عملية السلام خصوصا في حل مسألتي القدس وحق اللاجئين بالعودة وساهم في اشتغال الغضب الفلسطيني اقتحام زعيم المعارضة في حينه أرئيل شارون الحرم القدسي الشريف فاندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية واستخدمت فيها إسرائيل ترسانتها المسلحة وقصفت بالطائرات الحربية مواقع كثيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة وزادت عمليات الاغتيال للنشطاء الفلسطينيين والرد الفلسطيني بعمليات استشهادية ولم تفلح قمة طابا أواخر يناير 2001 في نزع فتيل الأزمة بل كانت مسألة حق عودة اللاجئين القشة التي قصمت ظهر البعير وفشلت القمة على إثرها أو كما قال ذلك تقرير صادر عن معهد راند عام 2014 التوترات الناجمة عن تضييق الخناق المستمر من إسرائيل على الفلسطينيين فقد بلغ السيل الزبى واندلعت الانتفاضة الثانية ولم تثمر أية مجهودات سياسية في تغيير الأوضاع السياسية أو المساهمة في تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني خصوصا في قطاع غزة حيث اتضح حجم القوة التي صارت المقاومة الفلسطينية تتمتع بها هناك ولم تفلح إسرائيل في تدميرها أو تقليص قدراتها التي كانت تتصاعد بعد كل عملية عسكرية وهو ما أوضحه معهد راند في 2014 عندما أكد أن الجيش الإسرائيلي قد أساء تقدير قوة حركة حماس رغم أنه جار ملاصق لها وزادت خطة فك الارتباط التي أقرها أرئيل شارون في 2005 من التصميم على عزل قطاع غزة واستبعاد سكانه وإحكام حصاره وذلك عقب عملية أيام الندم التي أطلقها شارون شمال قطاع غزة 17 يوما أسفرت عن مقتل 14 جنديا إسرائيليا مقابل 140 شهيدا فلسطينيا وتحول بعدها قطاع غزة إلى قاعدة للمقاومة الفلسطينية كلها وجدير بالذكر أن نتنياهو عدل خطة فك الارتباط لتسمح بعودة المستوطنات الأربع إلى شمال الضفة الغربية استجابة للوزير اليميني المتطرف بن غفير عمل نتنياهو على التملص من أية التزامات تجاه الحقوق الفلسطينية وتعطيله أية تفاهمات تتم برعاية أميركية وعاد شارون بقواته بعد عشرة أشهر من فك الارتباط لتحرير جلعاد شاليط ولم تفلح عملية أمطار الصيف يونيو حزيران 2006 في الوصول إلى مكان احتجازه ولم يطلق سراحه إلا عام 2011 بعد صفة تبادل ضمنت خروج 1027 أسيرا فلسطينيا في مقدمهم يحيى السنوار مقابل شاليط واستمرت السياسة الإسرائيلية في الاغتيالات فبعد أن عزلت قطاع غزة عملت على استهداف نشطاء المقاومة عبر غارات جوية وهو ما حدث في غزة 2008 عندما جرى استهداف ستة نشطاء من حركة حماس واغتيالهم وتداعت الأحداث وشرعت إسرائيل في عملية عسكرية أطلقت عليها الرصاص المسكوب وكانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك تسيبي ليفني قد صرحت قبيل بدء العملية في 25 ديسمبر كانون الأول 2008 أن إسرائيل لن تسمح باستمرار سيطرة حماس على غزة وستغير الوضع وما زالت إسرائيل تطلق ذلك التصريح مع كل عملية عسكرية على غزة وكانت عملية الرصاص المسكوب العملية الدموية التي دمرت آلاف المباني السكنية وقتلت ما لا يقل عن 1200 شهيد سقط منهم 250 شهيدا في أول يوم من أيام القصف الجوي كما سقط 437 طفلا من إجمالي الشهداء علاوة على ارتكاب مجازر بحق المدنيين الفارين إلى مقار أونروا مثل حادث قصف مدرسة الفاخورة في 6 يناير كانون الثاني 2009 في مخيم جباليا شمال القطاع حيث استشهد 41 مدنيا من المحتمين بالمدرسة رغم تأكيد أونروا آنذاك أنها سلمت إسرائيل إحداثيات المدارس التابعة لها لتجنب قصفها وهو الأمر الذي تكرر في العدوان الإسرائيلي الحالي أكتوبر 2023 السيوف الحديدية الذي لم يتورع عن قصف المدرسة مفسها وسقوط ما يزيد عن الـمائتي شهيد من المحتمين بالمدرسة على الرغم من إعلان أونروا والأمم المتحدة أنها أيضا سلمت إسرائيل إحداثياتها عدل نتنياهو خطة فك الارتباط لتسمح بعودة المستوطنات الأربع إلى شمال الضفة الغربية استجابة للوزير اليميني المتطرف بن غفير وانتهت عملية الرصاص المسكوب التي استغرقت 22 يوما من دون القدرة على تحرير شاليط أو تدمير حركة حماس والقضاء عليها لتعود الحرب في 2012 والتي استهلتها إسرائيل باغتيال القيادي الأبرز في كتائب عز الدين القسام أحمد الجعبري ولم تنجح في تحقيق ما كانت تصبو إليه رغم نجاحها في اغتيال عديدين من كوادر حركة حماس إلا أن تلك الحرب قد أظهرت قدرات المقاومة بشكل مميز عندما نجحت صواريخ المقاومة للمرة الأولى في الوصول إلى تل أبيب وتعد عملية الجرف الصامد في يوليو تموز 2014 نموذجا يمكن القياس عليه إذ تألفت العملية والتي استمرذت ما يقارب ال51 يوما من مرحلتين الأولى كانت حملة جوية استغرقت ثمانية أيام تقريبا حيث نفذت ما يزيد عن ستة آلاف غارة جوية وكانت تقارير أممية قد دانت نتائج تلك الغارات وتأثيرها على المدنيين إذ ذكر تقرير أن إسرائيل لم تعدل ممارستها للضربات الجوية حتى بعد ما اتضحت آثارها الوخيمة على المدنيين بما يثير التساؤل عما إذا كان هذا جزءا من سياسة أوسع الحصار والاستبعاد وتهويد الأرض أساس الصراع ويمكن للمراقب المحايد أن يبصر كيف أن أية حلول مؤقتة أو طرد للسكان لن تجدي في تحقيق الاستقرار والأمن كانت الثانية عملية برية تقدمت عدة كيلومترات حيث واجهت مقاومة شرسة وبرغم الخسائر البشرية والمادية العالية حيث استشهد 2250 فلسطينيا وتضرر 55 ألف منزل من بينها 17 ألف منزل جرى تدميره كاملا فإن الأخطر اضطرار أكثر من نصف مليون من سكان قطاع غزة إلى النزوح إلى أماكن أكثر أمانا حيث كانت تلك التجربة التي راهنت إسرائيل وعزمت عليها في عملية السيوف الحديدية أو طوفان الأقصى التي أطلقتها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 من أجل القضاء نهائيا على حماس والأنفاق واستعادة الرهائن وبما يتيح لها تنفيذ خططها في تسليم قطاع غزة إلى سلطة جديدة تتيح لإسرائيل صلاحيات التحكم والرقابة غير أن أخطر ما في تلك العملية بالإضافة إلى دمويتها غير المسبوقة في الصراع العربي الإسرائيلي حيث قتل أكثر من 14 532 فلسطينيا في قطاع غزة منذ يوم 7 أكتوبر 74 منهم من النساء والأطفال أنها عازمة على تصفية القضية الفلسطينية عبر زيادة الضغوط على سكان القطاع لمغادرته إلى سيناء المصرية إذ نزح ما يقرب من 1 7 مليون شخص أو ما يقرب من 80 من السكان في مختلف أنحاء قطاع غزة منذ 7 أكتوبر يعيشون في ظروف غير آدمية واتجه مئات الآلاف منهم نحو الجنوب حيث تطمح إسرائيل إلى تصدير المشكلة عبر الضغط المكثف وغير المحتمل على سكان القطاع حتى تفرض واقعا جديدا وهو ما لا يبدو واقعيا أو ممكنا خصوصا مع إصرار الشعب الفلسطيني على تحرير أرضه ورفض الحكومة المصرية القاطع واعتباره خطا أحمر لا يمكن تجاوزه فالحصار والاستبعاد وتهويد الأرض أساس الصراع ويمكن للمراقب المحايد أن يبصر كيف أن أية حلول مؤقتة أو طرد للسكان لن تجدي في تحقيق الاستقرار والأمن ولا تزال عقيدة الدولة الصهيونية تظهر لنا صورتها الحقيقية فهي ترفض التعايش أو مجرد وجود السكان الفلسطينيين وهي تسعى جادة إلى التخلص منهم حتى تكون الأرض خالصة لها وهو الأمر الذي عبر عنه بشكل مبكر وزير الخارجية المصري محمد صلاح الدين عام 1950 بقوله عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين بل هم اليوم بين أمرين كلاهما الهلاك المحقق إن بقوا مشردين قتلهم الجوع والمرض والبرد وإن عادوا أو أعيدوا إلى ديارهم قتلتهم فظائع اليهود