الأنتيمون يدخل حرب المعادن الحرجة بين أميركا والصين
٢٣ مشاهدة
تبدو بكين عازمة على تجريد واشنطن من قدرتها على الردع عالميا حال مضي دونالد ترامب في أجندته الرامية إلى تقويض صناعات الصين وصادراتها عبر رسوم جمركية ضخمة إذ تلوح بكين علانية هذه المرة بحرب المعادن الحرجة التي يمكنها إفقاد الصناعات الدفاعية الأميركية توازنها منذ أكثر من 100 عام غادرت سفينة من ميناء مقاطعة نوفا سكوشا على الساحل الشرقي لكندا حاملة شحنة ثمينة لا يدرك قيمتها إلا القليلون اليوم كان طاقم السفينة المتفائل متجها إلى ويلز في بريطانيا على أمل أن يقودهم المعدن الذي يحملونه إلى الثراء ولكن للأسف لم يصلوا إلى هناك أبدا فقد أطلقت غواصة ألمانية كانت مختبئة في مياه المحيط الأطلسي الباردة طوربيدا وغرقت السفينة في قاع المحيط مع حمولتها الغامضة في ذلك الوقت بدا المعدن غير مهم لكن قيمته الحقيقية لم تتحقق بالكامل إلا في وقت لاحق والآن أصبح هذا المعدن بالغ الأهمية للصناعات العسكرية والتكنولوجية الحديثة ذلك المعدن الذي نسي في قاع البحر ليس الذهب أو الفضة بل الإثمد أو الأنتيمون وهو معدن أصبح لاعبا رئيسيا في الصراعات العالمية والصناعات التكنولوجية العالية على حد سواء قد لا يكون الأنتيمون اسما مألوفا لكنه كان مادة أساسية في الحرب لقرون وخلال الحربين العالميتين الأولى والثانية استخدم في كل شيء من أغلفة الرصاص إلى المتفجرات واليوم أصبح الأمر أكثر أهمية من أي وقت مضى فوفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية يستخدم المصنعون الأميركيون أكثر من 50 مليون رطل حوالي 22 6 مليون طن من الأنتيمون سنويا يرجع ذلك إلى أنه عنصر أساسي في إنتاج أشباه الموصلات والبطاريات والألواح الشمسية كما يعتبر عنصرا بالغ الأهمية في العمليات الهجومية والدفاعية وأي خلل في إمدادات هذا المعدن الأساسي قد يخلف آثارا مدمرة على الأمن القومي وهنا تكمن المشكلة فلعقود من الزمن اعتمدت الولايات المتحدة على واردات الأنتيمون من الصين والواقع أن الصين تسيطر على ما يقرب من 50 من تعدين الأنتيمون و80 من إنتاجه في العالم وهذا وضع واشنطن في موقف محفوف بالمخاطر خاصة مع استمرار تصاعد التوترات مع بكين يدرك الجيش الأميركي تماما المخاطر التي ينطوي عليها هذا الأمر ولقد سعى البنتاغون جاهدا إلى تأمين مصدر محلي للأنتيمون مدركا أن فقدان القدرة على الوصول إلى هذا المعدن الحيوي من شأنه أن يؤثر بشدة على قدرة أميركا على الدفاع عن نفسها ويصل سعر الطن في السوق الفورية إلى حوالي 38 ألف دولار يقول رئيس شركة Military Metals Corp التي تعمل في استخراج الأنتيمون في الولايات المتحدة سكوت إلدريدج وفق تقرير لنشرة أويل برايس الأميركية إن لهذا المعدن أهمية بالغة ليس فقط للاستخدام العسكري وإنما أيضا لمجموعة واسعة من التطبيقات الصناعية ويراهن إلدريدج على أن قيمة هذا المعدن سترتفع كثيرا مع تصاعد التوترات الأميركية مع الصين وهذه ليست مجرد تكهنات فقد بدأت الحكومة الأميركية بالفعل في الاستثمار بكثافة في تأمين المصادر المحلية للمعادن الحيوية بما في ذلك الأنتيمون وهو مدرج على قائمة الحكومة الأميركية لما توصف بـالمعادن الحرجة ولسبب وجيه فبدونه لا يستطيع الجيش إنتاج أنظمة الأسلحة المتقدمة اللازمة للدفاع عن البلاد ومع إحكام الصين قبضتها على إنتاج هذا المعدن العالمي أصبح تأمين مصدر محلي مسألة تتعلق بالأمن القومي والمعدن عنصر أساسي في تصنيع المعدات العسكرية بما في ذلك الرصاص والمتفجرات والصواريخ ونظارات الرؤية الليلية ولكن ليس الحكومة الأميركية وحدها المهتمة بتأمين إمداداته فالقطاع الخاص أيضا بدأ يدرك أهميته البالغة فهو عنصر بالغ الأهمية لإنتاج أشباه الموصلات والبطاريات والألواح الشمسية حيث يتزايد الاهتمام بالطاقة المتجددة والتكنولوجيا مما يجعله لا غنى عنه لكل من الدفاع والصناعة ومع سيطرة الصين على أغلب إمداداته في العالم أصبحت الولايات المتحدة في موقف ضعيف مما دفعها إلى تحفيز استخراجه وإنتاجه محليا وقد بدأت الحكومة الأميركية بالفعل في الاستثمار بكثافة في تأمين المصادر المحلية للمعادن الحيوية بما في ذلك الأنتيمون في وقت يواجه فيه العالم توترات جيوسياسية متزايدة وانقطاعات في سلسلة التوريد يتوقع تفاقمها مع تطبيق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وعوده بغرض رسوم جمركية واسعة تصل إلى 60 على السلع الصينية وما بين 10 و20 على الواردات من مختلف دول العالم ما يشعل حربا تجارية ويؤثر على تدفق البضائع تحذير صيني صريح بتقويض صناعة الدفاع الأميركية قبل أيام حذر مستشار كبير في الحكومة الصينية من أن الولايات المتحدة ستتحمل العبء الأكبر من أي محاولة من جانب ترامب لفك الارتباط اقتصاديا بالصين مشيرا إلى الاعتماد على الأجزاء الصينية منخفضة التكلفة من الشركات المصنعة الأميركية بما في ذلك صناعة الدفاع وقال الباحث في معهد التنمية العالمية التابع لمركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني دينغ ييفان إن خطة ترامب لرفع التعريفات الجمركية إلى 60 من شأنها أن تخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي إلى النصف وسيسعى الموردون الصينيون إلى التهرب من الرسوم من خلال إعادة توجيه المنتجات عبر دول أخرى كان التحذير الصريح من مستشار حكومي مؤثر من بين أوضح الإشارات حتى الآن على احتمال تصعيد التوترات التجارية بين البلدين وقال دينغ في إفادة صحافية للحكومة الصينية نقلتها صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في 18 نوفمبر تشرين الثاني الجاري إذا لم تحصل هذه الشركات العسكرية على إمدادات من الصين فلن تتمكن من الاستمرار في إنتاجها وأضاف إذا نفذ قادة الولايات المتحدة حقا سياسات الاحتكاك التجاري أو المواجهة فسيكون لذلك عواقب وخيمة ودليلا على اعتماد الولايات المتحدة على الشركات المصنعة الصينية استشهد دينغ بتعليقات في مؤتمر عقد في سبتمبر أيلول الماضي حيث قال الرئيس التنفيذي لشركة آر تي إكس RTX المعروفة سابقا باسم رايثيون الأميركية وهي واحدة من أكبر عشر شركات متخصصة في الصناعات الدفاعية في العالم غريغ هايز إن الشركة لديها 2000 مورد في الصين وكان هايز قد قال لصحيفة فاينانشال تايمز العام الماضي إن الشركات الغربية يمكن أن تقلل من المخاطر ولكن لا تنفصل عن الصين وإن الأمر سيستغرق سنوات عديدة للعثور على موردين بديلين في تقرير حديث لشركة جوفيني Govini المتخصصة في تحليل البيانات الدفاعية يتضح مدى اختراق الصين للقاعدة الصناعية للولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية وأن الأمر وصل إلى درجة لا يمكن عندها ردع الصين وذكر التقرير أن قدرات الصناعات الدفاعية في الولايات المتحدة تراجعت كثيرا عن ذي قبل ووفق ما نقلت مجلة فوربس الأميركية عن المديرة التنفيذية في الشركة تارا ميرفي دوجيرتي يمكن تلخيص الاعتماد المقلق للقوات الأميركية ووزارة الدفاع على الصين للحصول على الإمدادات من خلال ثلاثة أرقام رئيسية الأول هو حصول الولايات المتحدة على أكثر من 40 من أشباه الموصلات المستخدمة في تشغيل أنظمة الأسلحة والبنية التحتية المرتبطة بها من الصين والثاني هو تضاعف عدد الموردين الصينيين في سلسلة الإمداد الدفاعية أربع مرات في فترة ما بين عامي 2005 و2020 أما الثالث فهو زيادة اعتماد واشنطن على المنتجات الإلكترونية الصينية بنسبة 600 بين عامي 2014 و2022 ولفت التقرير إلى أن حاملات الطائرات الأميركية من طراز فورد تعتمد في تشغيلها على أكثر من 6500 قطعة من أشباه الموصلات التي تم الحصول عليها من مصادر صينية كما تعتمد العديد من السفن الحربية والطائرات الأميركية التابعة للقوات البحرية على الآلاف من أشباه الموصلات الصينية الغاليوم والجرمانيوم ضمن سلاح المعادن الصيني ليس معدن الأنتيمون وحده الذي يمكن للصين استخدامه سلاح ردع قويا في مواجهة الحرب التجارية التي يعتزم ترامب تأجيجها وإنما أيضا معادن حرجة أخرى حيث فرضت قيودا على تصدير الغاليوم والجرمانيوم اعتبارا من مطلع أغسطس آب 2023 في إطار رد أيضا على قيود أميركية على شركات التكنولوجيا الصينية وتنتج الصين حوالي 60 من الجرمانيوم في العالم وفقا للجمعية الأوروبية لتحالف المواد الخام الحرجة سي آر إم ايه CRMA ويأتي الباقي من كندا وفنلندا وروسيا والولايات المتحدة ووصلت صادرات الصين من الجرمانيوم الخام والمشغول إلى 43 7 طنا متريا في 2022 وفقا للجمارك الصينية ويستخدم المعدنان في رقائق الكمبيوتر عالية السرعة وصناعات الدفاع والطاقة المتجددة والجرمانيوم على سبيل المثال مفتاح كابلات الألياف الضوئية ويستخدم أيضا في التطبيقات العسكرية مثل أجهزة الرؤية الليلية وأجهزة استشعار صور الأقمار الصناعية في أغسطس الماضي أصدرت لجنة استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية تقريرها السنوي الذي تمحورت نقاشاته حول التهديدات والتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة وسبل التعامل معها إذ أشار التقرير إلى أن المخاطر المحيطة بأمن واشنطن في الوقت الحالي تعد الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وطرح التقرير إمكانية تورط الولايات المتحدة قريبا في حرب متعددة الجبهات مع خصوم متحالفين أما نتيجة هذا التورط فهي هزيمة واشنطن كما رجح التقرير بسبب عوامل عدة أهمها نقص حجم قوة الدفاع الوطني التي باتت غير كافية لتلبية الاحتياجات الدفاعية وحماية الأمن القومي ولفت التقرير إلى وجود قصور في الإنتاج الدفاعي الأميركي الذي وصفه بـغير الكافي على الإطلاق لتلبية متطلبات الصراع في حالة نشوب حرب مع قوى عظمى