من الأخوة المركزية إلى الأخوة اللامركزية
تأسست أطروحة الأخوّة العربية الكردية في الفكر السياسي المعاصر بوصفها بنية خطابية هدفت إلى ردم الفجوة بين الوجدان التاريخي المشترك للعرب والكرد، والمأزق القومي الذي خلّفته الدولة الوطنية الحديثة في الشرق الأوسط. فهذه الفكرة ليست ترفاً فكرياً أو شعاراً إنشائياً، بل ضرورة فلسفية وسياسية انبثقت من رحم الجغرافيا، التي لم تمنح الطرفين نعمة الانفصال المطلق، بل فرضت عليهما مصيراً جيوسياسياً واحداً لا فكاك منه.
تاريخياً، لم تبدأ العلاقة العربية الكردية بوصفها صراعاً إثنياً أو تناقضاً هوياتياً، بل تشكّلت في إطار اندماج عضوي ضمن الهوية الدينية الإسلامية الجامعة، حيث كان الكردي جزءاً أصيلاً من النخب العسكرية والسياسية والثقافية التي أسهمت في صياغة ملامح المنطقة لقرون طويلة. غير أن التحول الجذري طرأ مع بزوغ لعنة الدولة القومية في القرن العشرين، حين تحولت الدولة، ولا سيما في العراق وسورية، إلى أداة للهيمنة القومية المركزية، الأمر الذي نقل مفهوم الأخوّة من حالة اجتماعية طبيعية معيشة إلى شعار سياسي يُستدعى تارة لتهدئة النزاعات، وتارة أخرى لتبرير سياسات الاحتواء والإقصاء.
في الحالة العراقية، يُعدّ تاريخ الأخوّة العربية الكردية مختبراً سياسياً بالغ التعقيد. فقد طُرحت الفكرة منذ تأسيس الدولة الملكية بوصفها شرطاً ضرورياً لاستقرار الكيان السياسي الجديد، وكان الهدف المعلن هو الحفاظ على وحدة التراب الوطني ومنع تحوّل القضية الكردية إلى ثغرة تنفذ منها القوى الدولية. غير أن الوقائع التاريخية كشفت عن ازدواجية صارخة بين الخطاب والممارسة؛ فبينما كانت قوى المعارضة العراقية، بمختلف توجهاتها الليبرالية واليسارية والقومية، تطرح الأخوّة قاعدةً لنضال مشترك ضد الاستبداد والديكتاتورية، استخدمت السلطات المتعاقبة المصطلح ذاته غطاءً أيديولوجياً لسياسات قمعية.
وقد تجلّى زيف هذه الأخوّة بأوضح صوره خلال فترات الصراع المسلح، حين كان الخطاب الرسمي يتغنى بـإخواننا الأكراد في الوقت الذي كانت فيه الدولة تمارس سياسات الإبادة، والتغيير الديموغرافي القسري، وعمليات الترحيل، ولا سيما في كركوك والمناطق المتنازع عليها. في المقابل، ظهر صدق هذه الأخوّة في التضامن الشعبي والسياسي الذي تجسد في جبهات العمل الوطني، والتي اعتبرت الحقوق الكردية جزءاً لا يتجزأ
ارسال الخبر الى: