كريم خان اضطرار لإصدار مذكرات اعتقال ضد الاحتلال بعد اضطراب طويل
٤٠ مشاهدة
كان عمر الحرب في أوكرانيا خمسة أيام فقط عندما قرر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان الخوض في جرائم حرب منسوبة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير شباط 2022 بما جعل خطوته السريعة وعدم انتظاره إحالة مجلس الأمن الدولي القضية تذكر سريعا بازدواجية العدالة الدولية حين يتعلق الأمر بدولة الاحتلال الإسرائيلي أظهر خان شجاعة في وجه روسيا حين قرر إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيسها فلاديمير بوتين العام الماضي مشددا على أن البحث عن الجرائم سيعيد محكمته إلى أواخر 2013 وبداية 2014 أي إلى فترة ضم شبه جزيرة القرم الوجه الآخر لتلك الشجاعة لم يكن سوى تسويف في ما خص جرائم الاحتلال ومنها تلك الموضوعة على رفوف محكمته منذ مارس آذار 2021 وتلك التي شاهدها العالم كله على مدار الأشهر الثمانية الماضية صحيح أنه في مواجهة روسيا سرعان ما سخر الاصطفاف الغربي لإظهار مخالب المحكمة الجنائية الدولية مستخدما صلاحياته في فتح تحقيق دون انتظار أن يحركه أحد أو لا حاجة أصلا للتحريك حيث البوصلة واضحة إلا أنه في مقابل الادعاء وطلب القبض على فلاديمير بوتين واستخدام لغة متشنجة بدا الرجل منذ أكتوبر تشرين الأول الماضي في حالة استرخاء ولم ينتبه إلى صلاحياته لوقف الإبادة والجرائم إلا حين أحرجه أخذ جنوب أفريقيا القضية إلى محكمة العدل الدولية غير بعيد عن مقره في لاهاي الهولندية تبرير كريم خان أن معاهدة الأمم المتحدة التي تنص على منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها تتيح له التصرف لم يشمل فلسطين التي مارس بحقها أعلى درجات التلكؤ أو ربما لأنها بعيدة عن بوصلة واتجاه التصويب المطلوب فمنذ اختياره مدعيا عاما للجنائية الدولية في 2021 لم يجد أفضل من ملاحقة الإرهاب الإسلامي كما في مهمة أوكلت إليه في محاكمة داعش في العراق بين 2018 و2021 مؤكدا أن مهمة محكمته في أفغانستان ستنحصر في جرائم حركة طالبان وفرع خراسان لتنظيم داعش وهو أمر عرضه لانتقادات منظمة العفو الدولية أمنستي وحقوقيين أفغان بينهم الناشطة في حقوق الإنسان حورية مصدق بسبب استثناء الأميركي وحلف شمال الأطلسي الناتو والقوات النظامية الأفغانية من تحقيق جرائم حرب محتملة واعتبرته مصدق بمثابة استهزاء بآلاف الضحايا جدل لا ينتهي حول خلفية ودوافع كريم خان بعد أن عبر كريم خان أخيرا عن رغبته في إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير أمنه يوآف غالانت سرعان ما حضرت المزيد من الأسئلة المحيرة بشأن تفلت المحتلين بصورة شبه دائمة مع اقتراب العدالة الدولية منهم إذ إن التحقيق الموضوع على طاولة المحكمة الجنائية الدولية منذ مارس آذار 2021 بسبب عدوان إسرائيل الدموي على غزة جرى تجميده بعد تسلم خان منصبه فعليا في صيف ذلك العام أما إجاباته على الانتقادات التي طاولته فركزت على أن مجلس الأمن الدولي فشل وهو الذي اعتبره شرطا للخوض في القضايا المتعلقة بفلسطين في إحالة أي من قضايا الانتهاكات الإسرائيلية بينما أثبت اضطراره إلى طلب مذكرة توقيف أخيرا بحق نتنياهو وغالانت يكشف شيئا آخر ليس بالضرورة خاضعا لمجلس الأمن الدولي بقدر ما هو خاضع لتوجهات دول حتى من خارج المحكمة نفسها كثيرا ما يكرر كريم خان في تصريحات عامة بحسب ملاحظات تقارير إخبارية تتابع نشاطه منذ أعوام الاستشهاد بالقرآن والتزامه الديني حيث لا يخفي الرجل نظرته إلى نفسه وبحكم أنه ينتمي إلى الأقلية الأحمدية على أنه مضطهد دينيا في بلده الأصلي باكستان بل واتهامات بأنهم يملكون علاقات وثيقة بدولة الاحتلال الإسرائيلي قبل انتقال تلك الجماعة في ثمانينيات القرن الماضي إلى بريطانيا وفي أحاديثه يجعل الأحمدية وتجاربها الاجتماعية جزءا من انجذابه إلى مجال حقوق الإنسان وفي أحيان أخرى تعرض المحامي خان لانتقادات لاذعة على خلفية أسماء الزبائن الذين دافع عنهم وتعاون معها وتولى مثلا كمحام الدفاع عن نائب الرئيس الكيني وليام روتو عندما اتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أعقاب أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات في عام 2007 والتي أدت إلى مقتل 1200 شخص ذلك إلى جانب دفاعه عن الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور الذي أدين بارتكاب جرائم حرب وزبائن آخرين من مثل سيف الإسلام القذافي ابن معمر القذافي وقضايا أخرى متعلقة بجرائم حرب في رواندا وكمبوديا والعراق وفقا لما ذهب إليه تقرير صحيفة نيويورك تايمز يوم 20 مايو أيار حين ترشح كريم خان إلى منصبه مدعيا عاما في المحكمة الجنائية الدولية لم تعترض عليه لا أميركا ولا إسرائيل غير الموقعتين على نظام روما الأساسي الذي يحكم عمل المحكمة بل وجد دعما من حكومة لندن باعتباره مواطنا بريطانيا الشيء المثير للانتباه في عدم اعتراض واشنطن وتل أبيب حتى على المستوى الإعلامي أنه في نهايات 2020 وأثناء البحث في المرشحين كانت الجنائية الدولية برمتها عرضة للاستهداف بسبب بحثها في جرائم حرب إسرائيلية وأميركية وباعتبارها معاداة سامية خالصة كما ذهب نتنياهو منذ سنوات بينما أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرض عقوبات على المحكمة مثلما يهدد الآن الديمقراطي جو بايدن وأعضاء في الكونغرس الأميركي عندما تحرك كريم خان بوجه روسيا بدا وكأنه يتحرك من تلقاء نفسه كمدع عام لكن المواقف الغربية المسارعة في طلب شيطنة موسكو لم تكن بمعزل عن ضبط بوصلة تحركات ترتيب ملف الاتهام بارتكاب جرائم حرب وحين قام الرجل في محاولة الظهور محايدا بإدانة هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي ودون دلائل سوى ترديد السردية الصهيونية لم يتطرق إلى ما يرتكبه الجانب الإسرائيلي من جرائم على الهواء وتبين لاحقا أن زيارته إلى دولة الاحتلال جاءت بدعوة من العائلات الإسرائيلية التي تضررت من هجوم 7 أكتوبر تشرين الأول بحسب تقرير لجريدة فلسطين الإنكليزية بالستاين كرونيكال إسقاطات التدين للطبطبة على الجريمة الربط بين ثقافة وديانة كريم خان والتقاعس مع فلسطين وأحيانا مساواة الجلاد والضحية وحتى الخلط بين تنظيم داعش الإرهابي وحركة مقاومة مثل حماس ليس من اختراع منتقدي الرجل بل يؤسس له كريم خان بتصريحاته وتصرفاته أو عدم تصرفاته وفي هذا الصدد سجلت الكاتبة المغربية عائشة البصري في مقال كتبته على صفحات العربي الجديد في 19 فبراير شباط الماضي تحت عنوان خطاب كريم خان الديني كيف أن خان لم يعر أي اهتمام بجريمة إبادة الإسرائيليين المتواصلة للفلسطينيين في غزة التي يقر بها كبار القانونيين والخبراء في دراسات الإبادة الجماعية عبر العالم موضحة أن إشاراته إلى جرائم الدولة الصهيونية باهتة وحذرة وغير مباشرة على عكس وصفه الجرائم المنسوبة إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس التي قال إنها تصدم ضمير الإنسانية لم تستبعد الكاتبة البصري أن خلطا متعمدا بين تدين خان بدين الأحمدية ومحاولاته ضرب حركة حماس من منظور أن أفعالها هي أفعال بغيضة بالنسبة لأي شخص يؤمن بالله إنها أكثر الأعمال غير الإسلامية ولا يمكن ارتكابها باسم دين اسمه السلام كما جاء في خطابه أثناء زيارته إلى القاهرة يوم 30 أكتوبر تشرين الأول الماضي ولم يملك ذات الجرأة للحديث مثلا عن كل مشاهد جنود الاحتلال وهم يرتكبون الجرائم بإسقاطات واستدعاءات دينية وصلت حتى قمة هرم سلطتهم في استدعاءات تلمودية توراتية ولعل مثل تلك المواقف المتحيزة يردها بعض الكتاب الغربيين إلى فكرة ما بعد الاستعمار إذ يحاول المستعمر السابق إلى أقصى جهد الظهور متماهيا ومتماشيا مع مستعمره السابق بما في ذلك في مسائل تمس العدالة ومفهومها وشمولها وفروق قراءة قيمة الضحايا تؤدي إلى صدور مواقف يقرأها منتقدو كريم خان باعتبارها تدمر أسس ما هو منوط بمحكمته وقضاتها في نهاية المطاف لعل الأخطر ليس أن يطالب مثلا بمثول رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أمام المحكمة بقدر ما تعد الخطوة محاولة خبيثة لخلط التحيز الشخصي أو الاقتناع بأن خط القاضي الديني هو الأصح وبالتالي أصح من حركة تقاوم محتلا لوطنها وقاتلا لشعبها ومن شعب يطالب بالتحرر وبما يختزل مأساة غزة في أنها بعد السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي منفصلة عن تاريخ طويل من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي عجزت عنها العدالة الدولية إلى حين فجاء خان ليظهرها أكثر عجزا في محاولة سقيمة للظهور نزيها في مساواة الضحية والجلاد برغم اعتراف حماس بأن أخطاء وقعت مع بداية هجوم طوفان الأقصى صحيح أن ما قدمه كريم خان أخيرا وبغض النظر عن كيف يصنف يعتبر بكل المقاييس ضربة مؤلمة لدولة الاحتلال ومع ذلك من الواضح أن الضحية الفلسطيني لم يسقط في فخ سقطات التفكير الصهيوني بأن كل شيء لا يروق لتل أبيب يصنف سخيفا ومعاديا للسامية وضد اليهود مع ذلك وحتى باضطراره إلى طلبه فإن كريم خان قدم من حيث لا يريد ربما كشف حساب جديدا مع سردية صهيونية مثخنة بالحقائق