إيران أنا الذي ذهب بعيدا

٣٣ مشاهدة
إذا كان من حق النظام الإيراني أن يفكر ويخطط ويعمل حماية للأمن الوطني لبلاده وتحقيق مصالح شعبه كما تفعل جميع الأنظمة فإن استخدامه هذا الحق ليس مفصولا عن حقائق الجغرافيا والتاريخ وتوازن القوى والمصالح والتشابك القائم بين المصالح المحلية والإقليمية والدولية وكان هذا يستدعي حسابات استراتيجية شاملة وبعيدة النظر كي يضمن سلاسة الحركة واستمرارية التقدم وتحقيق الأهداف مشكلة نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنه تصرف بتجاهل تام هذه المحددات والقيود فقد بدأت قيادة هذا النظام مشروعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالخروج على مألوف السياسة بدأت بالبطش بالجيش الإيراني بذريعة أنه جيش الشاه وأن معظم ضباطه قد تلقوا تدريبهم على أيد أميركية حيث جرى إعدام أكثر من 400 من كبار الضباط ما أضعف الجيش وأسس الحرس الثوري بديلا له قوة عسكرية موالية له وتلتزم بفكرة ولاية الفقيه ثم التفت إلى الأحزاب بما فيها أحزاب ناضلت ضد الشاه أيدت الثورة الإسلامية وشاركت في إسقاطه ومنها فدائيو إسلام ومجاهدو خلق التنظيمان اللذان لعبا بما كان لديهما من خبرات في حرب عصابات المدن دورا كبيرا في شل قدرات الجيش الإيراني على قمع التظاهرات الشعبية وسحق الثورة والحزب الشيوعي الإيراني تودة وأعدم بفتوى من الخميني ما بين ثمانية آلاف وثلاثين ألف معتقل سياسي وتابع النظام في مرحلة تالية ضرب بقية الأحزاب حركة تحرير إيران لم يكتف بإضعاف الحزب الذي تسلم أحد قادته رئاسة أول حكومة بعد الثورة مهدي بازركان 1979 1980 وفيه عدد من آيات الله مثل محمود طالقاني بل وأعدم بعضهم منهم صادق قطب زادة الذي تسلم وزارة الخارجية 1979 1980 بتهمة التخطيط للانقلاب على النظام الإسلامي السبب الحقيقي لإعدامه معارضته ولاية الفقيه وحددت قيادة النظام قواعد نظامها السياسي باعتماد نظام ولاية الفقيه وثبتته في الدستور الجديد كما كسرت قواعد العمل السياسي الدولي بالإعلان عن عدائها للشرق والغرب كان شعارها الأول في هذا المجال لا شرقية ولا غربية وأوقفت عمل مصانع كثيرة بذريعة أنها ستربط اقتصاد البلاد بالخارج عبر توريد المواد الأولية والخبرات وقطع الغيار إلخ وحدت من العلاقات الاقتصادية مع الخارج الغرب بشكل رئيس لأن علاقات نظام الشاه كانت معه وتبنت سياسة تصدير الثورة ونصرة المستضعفين وكرستها في الدستور صحرت الحياة السياسية داخليا واستعدت الخارج سياسيا واقتصاديا وبدأت التدخل في شؤون دول الجوار والتحريض على الأنظمة القائمة فيها الأنظمة التي فرحت لتخلصها من نظام الشاه الذي لعب دور شرطي المنطقة بالاتفاق مع إدارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون وأثارت سياسة النظام الجديد قلقها وخوفها وتحركه لتغيير أنظمتها تحت شعار تصدير الثورة ونصرة المستضعفين ورد على تحفظها على سياسته بتحريض أتباع المذهب الشيعي في بلادها مستثمرا مظلوميات يعانون منها وباعثا المظلوميات القديمة التي عانى منها أتباع هذا المذهب في التاريخ الإسلامي ووضع الانتقام لمظلوميات الحاضر والماضي هدفا لهم حرض المجتمعات الشيعية ودفعها إلى التحرك ضد أنظمتها تحت لافتة الثأر للحسين كسرت إيران قواعد العمل السياسي الدولي بالإعلان عن عدائها للشرق والغرب كان شعارها الأول في هذا المجال لا شرقية ولا غربية ومن طرائف تلك المرحلة توزيع رئيس النظام العراقي صدام حسين أجهزة تلفزيون على سكان القرى والبلدات المحاذية لإيران في محاولة لكسب قلوبهم وحصل أن زار إحدى القرى وسأل رجلا من أبنائها عن رأيه في هدية التلفزيون فأجابه الرجل يطول عمرك كنا نسمع الإمام الخميني فأصبحنا نسمعه ونراه قاد التحريض الإيراني ضد الأنظمة العربية إلى شن النظام العراقي هجومه على الأراضي الإيرانية مانحا النظام الإيراني فرصة ثمينة لا تعوض لشد العصب الوطني وحشد الشعب الإيراني حوله بعد أن كان الفتور قد بدأ ينتشر بينه نتيجة قلقه وهواجسه من سياسات النظام الجديد ونجح النظام الإيراني في إطار استراتيجيته لتصدير الثورة في اختراق مجتمعات دول الجوار بدعم التشكيلات والأحزاب الشيعية القائمة مثل حزب الدعوة في العراق وحركة أمل اللبنانية وحزب الوحدة الأفغاني وأسس أحزابا جديدة منظمة بدر وحزب الله اللبناني وحزب الله السعودي إلخ نظمها ودربها وسلحها لخدمة خططه ومصالحه الجيوسياسية قال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني إنه أقام عشرة إيرانات خارج إيران لم يستقبل النظام الدولي الشرق والغرب النظام الإيراني الجديد بترحاب وعمل الغرب على عزله والتخطيط لإسقاطه وحصلت مواجهات دبلوماسية وسياسية ومحاولة عسكرية أميركية يوم 25 4 1980 لتحرير رهائن السفارة في طهران في ما عرف بعملية صحراء طبس الفاشلة ودفع هذا النظام إلى التفكير في مخرج من الحصار وتوفير سياج حماية فتبنى خيار الضغط على الدول الغربية بخطف رعايا منها وتنفيذ عمليات إرهابية في معظم الدول الغربية وعدة دول عربية الخليجية تحديدا 60 عملية عام 1984 وحده ووضع الكيان الصهيوني ابن الغرب المدلل رهينة لردع الغرب عن مهاجمته عبر حشد قدرات بشرية وعسكرية من دول وقوى حزبية موالية كأحزمة نارية جاهزة لضرب إسرائيل ردا على أي عدوان غربي على إيران غطى استراتيجية أمنه الوطني برفع لواء تحرير القدس وذلك لجذب مزيد من الأنصار والمقاتلين العرب السنة والشيعة قاد التحريض الإيراني ضد الأنظمة العربية إلى شن النظام العراقي هجومه على الأراضي الإيرانية مانحا النظام الإيراني فرصة ثمينة لا تعوض لشد العصب الوطني وحشد الشعب الإيراني حوله استثمر النظام الإيراني إشرافه على تشكيل وتدريب وتسليح وتمويل المليشيات الشيعية وفصائل سنية كحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين والجماعة الإسلامية في لبنان قبلت العمل معه في إطار استراتيجيته تطويق الكيان الصهيوني بأحزمة نارية بعدما جمعها وأدار تحركاتها باعتبارها في محور تابع سماه محور المقاومة استثمره في توفير سوية عالية من الاستقرار والأمان الداخلي وفي توسيع نفوذه الإقليمي والانخراط في مفاوضات سياسية مع القوى الخارجية من موقع قوة وأتاح له محور المقاومة عبر قيامه بمهمة الردع والتشويش والاستفزاز وإرهاب أنظمة دول الجوار اعتماد نهج النفس الطويل المسمى الصبر الاستراتيجي في التعاطي مع التطورات الإقليمية والدولية غير أن هذه التطورات لم تترك له خيارات سهلة فإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحبت من الاتفاق النووي واستخدمت معه سياسة الضغط القصوى لدفعه للقبول باتفاق نووي بديل شلت العقوبات اقتصاده وضربت عملته الوطنية وعزلته عن النظام المالي الدولي وقتلت أيقونته قاسم سليماني ما أضعف موقفه وجعله يبحث عن مخارج جانبية كالضغط على النظام العراقي لإخراج القوات الأميركية من أراضي العراق ودفع مليشياته اللبنانية والعراقية والسورية إلى التحرش بالقوات الأميركية في سورية وزاد في كميات ونسب تخصيب اليورانيوم والانفتاح على الشرق بعقد اتفاقية استراتيجية طويلة المدى مع الصين مدتها 25 سنة وسعى مع عودة الإدارة الديمقراطية إلى الحكم في الولايات المتحدة إلى العودة للاتفاق النووي مع تعديل بعض بنوده من دون نجاح فلجأ إلى الضغط على الإدارة الأميركية عبر الانخراط في العدوان الروسي على أوكرانيا بتزويد روسيا بطائرات مسيرة من طراز شاهد 136 وصواريخ متوسطة المدى ووضعته عملية طوفان الأقصى في موقف دقيق على خلفية عودة الولايات المتحدة إلى الاهتمام بالمنطقة المشاركة في القتال والدخول في حرب مباشرة مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة أو النأي بالنفس وخسارة ثقة محور المقاومة به وبخطته المسماة وحدة الساحات وعاد إلى توظيف مليشياته في إسناد حركة حماس والضغط على المجتمع الدولي لوقف الحرب في غزة عبر دفع حركة أنصار الله الحوثية إلى إغلاق باب المندب وشل التجارة الدولية بعرقلة سلاسل التوريد ترتب على هذا تغيير موقف الإدارة الأميركية من النظام الإيراني بتبني خيار حل مسألة هذا النظام مرة واحدة عبر السماح للكيان الصهيوني بإنهاء حضوره في دول الجوار وتجريده من أوراق القوة التي يعتد بها كان الدافع غير المعلن للتفويض الأميركي للكيان الصهيوني الخوف من أن تصبح إيران بتعداد سكانها الكبير والمتعلمين تعليما عاليا على المديين القصير والمتوسط قوة إقليمية قوية ومستقرة قادرة على تحدي طموحات الكيان الصهيوني الإقليمية وتشكيل المنطقة بأسرها وفق مصالحها وعليه شن الكيان الصهيوني حربه على النظام الإيراني ومليشياته حزب الله اللبناني بشكل خاص قتل أمينه العام ومعظم قيادات الصفين الأول والثاني من السياسيين والعسكريين والمليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية والحوثية تحت شعار إجراء تغيير استراتيجي في المنطقة وقادت تداعيات المواجهة الشاملة إلى تبادل الضربات المباشرة بينه وبين الكيان الصهيوني بعدما شعر أن الأوضاع قد بلغت مرحلة الخطر المصيري ما كشف عن ضعف قدراته العسكرية وخاصة الدفاع الجوي الذي دمرته طائرات الكيان قاد انكشاف أمن النظام بعد إجهاض خطته ردع الكيان الصهيوني والغرب بعصا مليشياته التي تحيط بالكيان إلى التلويح بتغيير عقيدته النووية والذهاب نحو امتلاك سلاح نووي أعلن عن تركيب مئات أجهزة الطرد الحديثة كما أعلن عن استعداده لمقايضة تقليص مخزونه من اليورانيوم المخصب تخصيبا عاليا برفع العقوبات الاقتصادية وهو ما لم يلق استجابة مناسبة من الدول الغربية رفعوا ضده شكوى لمجلس محافظي وكالة الطاقة النووية التي أصدرت إدانة لممارساته ومواقفه فبات من حق هذه الدول تفعيل بند سناب باك الذي يسمح بإعادة فرض ستة قرارات أصدرها مجلس الأمن لمعاقبته على خلفية إنشاء برنامج نووي سري لذا لجأ إلى تخفيض سقف مطالبه بالعمل على إقناع الإدارة الديمقراطية بتحسين العلاقات واستعادة الثقة من دون جدوى كان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قد أعلن في أثناء حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تصريحات اتسمت بالليونة والاستكانة إلى حد وصفه للأميركيين بـالإخوة ودعا للعودة إلى العلاقات الطبيعية بين نظامه والولايات المتحدة من دون جدوى تصرف النظام في إيران بتجاهل تام للمحددات والقيود فقد بدأت قيادته مشروعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالخروج على مألوف السياسة اعتمد النظام الإيراني استراتيجية من ثلاث حلقات تشكيل مليشيات مذهبية وتدريبها وتمويلها وتسليحها برنامج صواريخ بالستية قادرة على الوصول إلى الخصوم برنامج نووي سلمي مع إمكانية تحويله إلى برنامج عسكري غير أن المواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني الذي حصل على دعم غربي مباشر كشفت هشاشة هذه الاستراتيجية حيث نجح الكيان في ضرب خط الدفاع الخارجي بضرب حماس وحزب الله ونجح في إفشال هجومه بالمسيرات والصواريخ المجنحة كما كشف بضربته أخيرا ضعف الدفاعات الجوية ووضعه في حالة انكشاف استراتيجي تآكل ردعه وثبت عدم توفر إمكانية لديه للفوز في حرب مع الكيان انهارت استراتيجيته فغدا مصيره متوقفا على صمود حزب الله وقدرته على مواصلة القتال حتى يقبل الكيان الصهيوني بوقف إطلاق النار والذهاب إلى اتفاق ينهي حالة الحرب ورغم استعادة حزب الله توازنه وإلحاقه خسائر جسيمة بقوات الكيان إلا أن هذا لا يعني أن النتيجة النهائية باتت مضمونة وأنه سينجح في مواصلة القتال حتى تحقيق الهدف المنشود فرض وقف الحرب من دون هزيمة صريحة فالاحتمالات كثيرة تكمن مشكلة النظام الإيراني في تبنيه استراتيجية سياسية وعسكرية من دون الاعتبار بدروس التاريخ حيث لا يمكن لقوة إقليمية ناشئة تحدي العالم كله أو تحدي قوى عظمى من دون ظهير من قوى عظمى أخرى هذا درس تجربة محمد علي باشا في مصر الذي تحدى القوى العظمى فجرد من جميع عوامل القوة وأعيد إلى حدود ولايته العثمانية وحيث لا يمكن لقوة إقليمية ناشئة تحدي قوى عظمى وجها لوجه درس من تجربة اليابان التي اصطفت خلف الولايات المتحدة وأكلت في الوقت نفسه من حصتها في الاقتصاد وسوق التقنيات والابتكارات وحيث لا يمكن لقوة إقليمية ناشئة وهي في طور بناء قوتها الذاتية تحدي قوى عظمى في رواية الشيخ والبحر لأرنست همنغواي منولوغ يسأل فيه الشيخ نفسه بعد أن اصطاد سمكة أبو سيف أكبر من قاربه فربطها على جانب القارب فهاجمتها أسماك القرش والتهمتها ولم تبق له سوى العظام من الذي هزمك ويرد على نفسه لا أحد أنا الذي ذهب بعيدا

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح