إدوارد سعيد عمدة لنيويورك
شهدت نيويورك، قلبُ الإمبراطورية الأميركية المالي والرمزي، في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، حدثاً لا يقلّ أهميةً عن انتخاب رئيس للولايات المتحدة، فانتخاب الشاب المسلم المهاجر زهران ممداني، عمدةً لها، كان له معنى وقيمة أكبر بكثير من انتخاب الرئيس الأميركي. وفي حين أن كل رئيس أميركي كان جزءاً من المشروع الليبرالي المتوافق مع المؤسّسة السياسية والاقتصادية الأميركية، والمنتج لها، فإن ممداني مناهضٌ فعّال للإمبراطورية من داخلها، ومخلخلٌ لها، فهو لم يعد يمثّل الهامش، بل يُعلِن صراحةً أن مشروعه السياسي قائم على تفكيك هرم السلطة الذي يربط بين رأس المال والعنصرية البنيوية والصهيونية السياسية. كان هذا واضحاً وضوحاً لا لبس فيه، حتى في خطاب النصر الذي ألقاه.
ما يميّز ممداني هو قدرته على تحويل المعرفة النقدية إلى سلطة سياسية، فلا يكتفي بتحليل النظام من خارجه، بل يتسلل بقوة إليه ليفكّكه من داخله
عقوداً طويلة، ظلّ الخطاب السياسي والإعلامي الأميركي يُدرج الهُويَّة المسلمة في ثنائيةٍ صارمة: إمّا مسلمٌ مُعتدل جيّد السمعة، شرطهُ أن يكون صامتاً عن فلسطين، مُتطبِّعاً بالهيمنة الليبرالية، أو مسلمٌ متطرّف مُهدِّدٌ للأمن القومي. وقد كانت هذه الثنائية جزءاً من آليّة التنميط الأمني التي حوّلت الإسلام مشكلةً تدرّ أرباحاً على من يعرف كيف يلعب عليها، وتضرّ من يُشيطَن، مثلما كان سعي ترامب ومليارديراته في تشويه سمعة زهران ممداني، الذي فجّر صعوده هذه الثنائية من الداخل. فهو مسلمٌ لا يطلب الاعتراف من خلال التنازل عن مواقفه الأخلاقية، بل يُقدِّم هُويَّته جزءاً عضوياً من مشروعٍ سياسيٍّ مناهضٍ للاستعمار ومذابحه، وما بعد الاستعمار. لغته لا تستند إلى الخطاب الديني، بل إلى المفاهيم النقدية الحديثة: العدالة الاجتماعية، وحقّ تقرير المصير، والمساواة في الحقوق وتوزيع الثروات الوطنية، ومناهضة الفصل العنصري. بهذا المعنى، يُعيد ممداني تعريف ما يمكن أن يكون عليه السياسي المسلم في الغرب: ليس داعيةً، ولا جهادياً، بل مثقّف عضوي يُشكّل جسراً بين النضالات المحلية والعالمية. مثّقف لم يصعد لأنه مسلم، بل لأنه مواطن أميركي يحمل رؤيةً انقلابيةً على نظام الدولة الأميركية المستقرّ.
يجسّد
ارسال الخبر الى: