إدمان الدكتاتورية من النيكوتين إلى إغراء السجائر الإلكترونية
يشبّه الكاتب الإسباني مانويل فيثينت إرث فرانكو بالتدخين: أربعون عاماً من استنشاق سم يتسرّب إلى الرئتين كما يتسرّب الخوف إلى الذاكرة. بعض الإسبان دخّنوا ذلك العهد بمتعةٍ قاتلة، وآخرون حاولوا الإقلاع عنه لأن حياتهم كانت معلّقة بذلك الهواء الفاسد. وحين سقط الدكتاتور، خرج النيكوتين السياسي سريعاً من الجسد، لكن الإدمان بقي هناك، في الدماغ، في العصب الذي يرتجف عند أول إغراء، وفي تلك العادات الصغيرة التي تفضح أثر الطغيان أكثر مما تفضحه الكتب.
قد يكون هذا التشبيه مفتاحاً لفهم العالَم العربي الذي عاش عقوداً طويلة تحت نموذج واحد للحكم: رجل واحد، حزب واحد، سردية واحدة، وذاكرة تُكتب بالقلم نفسه.
في سورية والعراق وليبيا ومصر وتونس واليمن، وحتى في الملكيات العربية، ظلّ شكل السلطة واحداً: مركزية تخنق الهواء، وأجهزة أمنية تعيد تنظيم الخوف، وخطابٌ أبويّ يُقنع الناس بأن الاستقرار أهم من الحرية، وأن الدولة لا تستقيم إلا بقبضةٍ تمسك المقود. ومع السنوات، تحوّل الاستبداد من نظام حكم إلى ثقافة كاملة: التربية، التعليم، الذات والدولة.
وحين اندلعت الثورات العربية قبل أكثر من عقد، اعتقد كثيرون أن إسقاط الرأس كفيلٌ بتحرير الرئة. لكن الذي سقط، في أغلب الأحيان، لم يكن سوى علبة سجائر فارغة، فيما ظلّت الرائحة تملأ المكان. بقيت مؤسسات مشوّهة، وثقافة خوف لم تغادر النفوس، ونخب سياسية تردّد القاموس القديم بوجوه جديدة.
الشعوب قد تُقلع عن إدمان الأمس لتقع في إغراء سجائر إلكترونية
الدكتاتورية، مثل التدخين، لا تنتهي بقرار. تنتهي حين تتعلم المجتمعات التنفس وحدها، حين تنظر إلى يوم الحرية الأول بدلاً من التحديق في اليوم الأخير من حياة المستبد، وحين تدرك أن الدولة تحتاج مؤسسات تمتد جذورها في القانون، لا في شخصٍ واحد.
في كتابهما الصادر حديثاً الحياة في الدكتاتورية (2025)، يتتبع الإسبانيان روزا توران وخافيير تيبار أثر الفرانكوية في إسبانيا، وكيف بقي ظلّها ممتداً في العادات اليومية بعد سقوط النظام. ويرى الكاتبان أن المجتمعات الخارجة من الاستبداد تحتاج زمناً طويلاً لتفقد رائحة الخوف، وأن التخلص من الطاغية لا يعني
ارسال الخبر الى: