أوبنهايمر والقنبلة الذرية الحلم الأميركي حين يغدو انفجارا

٤١ مشاهدة
بعد أن هدأت العاصفة الإعلامية التي أثارها فيلم كريستوفر نولان الأخير أوبنهايمر وبدأت أعراض حمى هوليوود تختفي تدريجيا عادت النقاشات حول الفيلم كظاهرة عالمية بعد أن حصل على سبع جوائز أوسكار ما بين العرض الأول واستلام الجوائز أتيح لنا العمل على تفكيك هذه الظاهرة بتأن ومن وجهات نظر متنوعة وذلك عبر الفيلم الوثائقي To End All War Oppenheimer the Atomic Bomb الصادر قبل أسبوعين من صدور فيلم نولان نولان ابن هوليوود المدلل يصنف ضمن فئة فناني ما بعد الحداثة إذ يحقق الشرط الرئيس لهذه الفئة وهو الكتابة عن قضية ما بحيادية وبمعزل عن السؤال الأخلاقي الذي تطرحه وعليه يتحول معظم الكتاب إلى مجرد قوالب يطبعون قضية ما حسب رؤيتهم الفنية من دون محاكمة أخلاقية أو انخراط أيديولوجي بالعمل يتركون باب التأويل مفتوحا هربا من السؤال الأخلاقي وبهذا نرى كل الخصوم أندادا في إنتاجه حتى لو كان أحد الخصوم يملك قنبلة نووية والآخر مدنيا أعزل أوبنهايمر والقنبلة الذرية بوابة إلى العالم الجديد توجت القنبلة الذرية التي صنعها عالم الفيزياء النظرية الشهير أوبنهايمر أبو القنبلة الذرية ثلاثة قرون من الفيزياء القنبلة لم تكن سلاحا جديدا بقدر ما كانت بوابة إلى العالم الجديد عالم يحكمه قطب واحد ولهذه الأسباب وجد نولان وغيره أن شخصية أوبنهايمر كنقطة تحول تاريخية تحمل كثيرا من التأويلات ومن الممكن صناعة تجربة سينمائية تتناسب مع حالة اللامعيارية وازدواجية المعايير التي نعيشها كريستوفر كاسيل مخرج وكاتب ومقدم برامج أميركي يملك شركة Cassel Pictures اكتسبت هذه الأخيرة سمعة جيدة على مدار العقد الماضي وقدمت أعمالا وثائقية متنوعة تحمل جميعها طابعا دراميا تقليديا في سرد القصة أعماله غنية بالمعلومات وتتناول القضايا الكبرى بخطوطها العريضة وتحمل نظرة خفيفة للتاريخ تقدم عبر خليط تقليدي من التعليق الصوتي والأفلام الأرشيفية وإعادة التمثيل للأحداث التاريخية قد نوصي بها لطلاب المدارس لاستخدامها كمراجع في فصولهم الدراسية لا أكثر ينطلق كاسيل في فيلمه To End All War Oppenheimer the Atomic Bomb إنتاج NBC من شخصية أوبنهايمر 1904 1967 تروى الأحداث والتفاصيل الأساسية من حياة أوبنهايمر مثل دراسته وحياته العاطفية وإنجازاته وسقوطه في النهاية لإضفاء طابع الغموض على الشخصية تم التركيز على تشبيه أوبنهايمر ببروميثيوس الإله الأسطوري الذي سرق النار من جبل الأولمب وأهداها للبشر وعلى هذه الفعلة عوقب سنوات طويلة ويذكر أن نولان اقتبس فيلمه من كتاب بعنوان بروميثيوس الأميركي يدعم العرض بلقطات مؤرشفة ومقابلات مع علماء وكتاب ومؤرخين ليس لأحدهم ثقل في اختصاصه إلا مقابلات نولان وحديثه عن أوبنهايمر فهو يعلم تماما كيف يتحدث عن شخصياته يحاول كاسيل عن طريق المونتاج تقديم سيرة أميركا والحرب العالمية الثانية عبر شبه سيرة حياة أبي القنبلة الذرية وهذا ما لم ينجح فيه مشهد تجربة القنبلة الذرية هو المشهد الحامل لقصة أوبنهايمر وله رمزية تاريخية مهمة إذ شكل الانفجار سحابة تشبه الفطر سميت حينها بعش الغراب وهو رمز الهيمنة الأميركية الذرية لذاك العصر تلك السحابة تشبه التي تخرج من مصباح علاء الدين بعد فركه ليخرج لنا الجني ولكن وبسبب سذاجته أوبنهايمر لم يعرف كيف يعيد هذا الجني إلى المصباح الترهيب بالقنبلة لا استعمالها هل كانت القنبلة ضرورة سؤال حسمت الإجابة عنه بـ لا كان من الممكن الترهيب بالقنبلة من دون استعمالها لقتل أكثر من 300 ألف ياباني في هيروشيما وناغازاكي في هذه المعضلة يكمن المدخل لعقلية أوبنهايمر ومن خلفها المؤسسات الأميركية العميقة الحجة الأساسية لصنع القنبلة هو دحر الخطر النازي والدافع الأكثر تجذرا وضبابية في أوبنهايمر هو عداء السامية كونه يهوديا العديد ممن أجريت معهم المقابلات تحدثوا عن أوبنهايمر وشخصيته بأنه كان مضطربا نفسيا وذا هوية غير واضحة والعديد من الحجج النفسية السائلة فنراه في العرض شابا معزولا بالغت أمه في القلق عليه كلها حجج غير مقنعة حتى السقوط التراجيدي لهذا البطل الأسطوري غير مقنع هو في الحقيقية سقوط كوميدي إذ لم يكن عقابه أكثر من إلغاء تصريحه الأمني نراه أيضا شخصية روحانية له وجهة نظر بالقنبلة تشبه الميتافيزيقية الشرقية مثقف مسالم تعامل مع أسئلة عصره بأفضل طريقة ممكنة شخص ساحر زير نساء لا نعلم من أطلق عليه هذا اللقب إذ للرجل طليقة وزوجة فقط تتكثف هذه الصفات أمام المشاهد في لقطة أرشيفية من إحدى مقابلاته الشهيرة وهو يردد جملة من ملحمة البهاغافاد جيتا الهندوسية إذ قال وهو ينظر إلى الانفجار التجريبي للقنبلة في صحراء نيو ماكسيكو الآن أنا الموت أنا مدمر العالم وهذا القول ليس مثبتا أيضا وقد يكون استخدامه إضافة درامية فقط في المقابل غيب في العرض حماس أوبنهايمر لتجربة إنجازه ولم تقدم للمشاهد الحقيقة وراء إلقاء قنبلتين على اليابان لا واحدة حينها كان أوبنهايمر ومن خلفه أميركا يريد المقارنة بين قنبلة نظائر اليورانيوم وقنبلة نظائر البلوتونيوم ولدمج أكثر ما يحب أوبنهايمر وهما العلم والصحراء شيدت بلدة كاملة في صحراء نيو مكسيكو للعمل على القنبلة ولتحقيق حلم أوبنهايمر الطفولي أزيح آلاف السكان الأصليين من موطنهم أكثر ما قد يثير الاستياء من العمل هو اقتراح أوبنهايمر مدنا عدة يابانية مسطحة لإسقاط القنبلة عليها حتى يرى بوضوح خصائص هذه القنابل والفروقات ما بينها هذا الإنجاز ترك وراءه فطرا قبيحا في السماء وزهور الكومينو الجميلة لباس تقليدي في اليابان موشومة حرقا على جلود اليابانيين قصة أوبنهايمر هي قصة أميركا نفسها والده لاجئ ألماني ينتقل بعد أرباح كبيرة من عمله بالنسيج إلى منطقة ريفرسايد أمه رسامة فرنسية وواجبه كرجل أميركي عظيم أن يتغلب على شكوكه وعيوبه حتى يترك بصمته في العالم فيلم أوبنهايمر هو المقابل السينمائي الحي لدول حقوق الإنسان عندما تكشر عن أنيابها يصيبنا الرعب عند مشاهدة هذا الاحتفاء المبالغ فيه على الأرجح أننا سنشاهد في المستقبل كثيرا من السير الذاتية لمخترعين جربوا أسلحتهم على أجسامنا نحن من لا نعيش في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح