أنس الذي وفى
في غزة، حيث لا ينكسر الأمل، يمضي أنس الشريف في درب البطولة، يحمل الكاميرا ويروي لنا قصة شعب لم يستسلم. في غزة، حيث يُعاد تعريف البطولة كل يوم، وتُكتب الملاحم بالكاميرا والكلمة، بالدم والتراب والدمع، لا يُوزن الناس بما يملكون، بل بما يضحون.
الشرف هنا لا يُقاس بالنياشين، بل بعدد المرات التي وقفت فيها عاري الصدر أمام الخوف وقلت: ربي الله، ووطني فلسطين، ووصيتي عسقلان، وعائد إلى المجدل.
منذ نعومة أظافره، كان أنس مثابرا، يلاحق الصورة ويبتكر المبادرة قبل أن تشتعل المحرقة. كان صوت الشمال النابض بالخبر والصورة، يشارك على منصاته كل ما أكتب، حتى إذا اندلعت النار، كان في الصف الأول يوصل للعالم مشاهد المقتلة.
وحين التقطته الجزيرة، صار مرآتها في غزة، حتى غدا اسمه عنوانا لها وللمدينة الصامدة.
العدوان لم يكن يوما ضد السلاح فقط، بل ضد الحياة ذاتها، وضد الصوت والصورة. لذلك مُنع الصحفيون من دخول غزة، وحُذروا حتى من التصوير الجوي أثناء إلقاء المساعدات.
لكن أنس اختار أن يعيش بطلا أو يُبعث شهيدا، فارتقى في الصف الأمامي.. رجل لم يحمل بندقية، بل حمل الكاميرا والحنجرة، وقبل ذلك الانتماء والإرادة.
في زمن قُطعت فيه الصورة عن غزة، كان أنس ضميرها وصوتها. وقف وأمثاله وحيدا “منتصب القامة”، يوثق ملحمة الإبادة بينما الآخرون يبررون القتل
من قلب النيران ارتقى أنس ومحمد وإبراهيم، ومؤمن، ومحمد.. لم يكونوا على جبهة السلاح، لكنهم كانوا في جبهة الصوت والصورة، ينقذون ما تبقى من وجه غزة الممزقة. كان أنس الأيقونة يركض نحو الشهادة لا هربا منها، بل لإنقاذ الأمل وطمأنة الأحرار أن نبض غزة ما زال حيا. سبقه قبل عام إسماعيل وكوكبة من رفاق الجزيرة، ليؤكدوا أن صوت غزة النازف لا يُكسر حتى تحت الركام.
رحلوا لأن الحق تُرك عاريا، ولأن الأمة وقياداتها صمتت فباعوا دماء غزة، ولأن الاحتلال أراد إسكات الحقيقة، بينما تواطأ العالم بالصمت والتجميل. باغتيال نخبة الإعلاميين، تُهيأ غزة لمجازر لم يعرفها التاريخ، ودماؤهم تصرخ: العار على الصامتين، واللعنة على المصفقين
ارسال الخبر الى: