لن أستطيع العيش معكم بعد الآن

52 مشاهدة

انتهت الإبادة، وعدتُ إلى البيت عاجزاً عن استعادة حيدر الذي كان.

إنني حيّ، يقول الناس والمارّة والمرايا، وسمّاعة الطبيب، لكنّ حيدر الذي أقصده، قتلته الدنيا باكراً، وكان أقلَّ حظاً من القتلى الذين لم يودّعهم أحد، فهم على الأقل وجدوا من يتأكّد أنّهم قُتلوا.

إنّ الجسد الذي ترونه ماثلاً أمامكم، بكامل أعضائه، بشحمه ولحمه، عليه الآن أن يُقيم الصداقات، ويخطّط لأحلامه، يسافر، يُحبّ، يُنشئ بيتاً، وربّما يتزوّج، وينجب الأبناء، كأنّ حرباً لن تلاحقه، ولن تعود، كأنّ الحياةَ التي سيعيشها لن تصير يوماً سكاكين في حلقه.

لا يحبّ أن يتمنى له أحد عمراً طويلاً، فذلك يعني أن يعيش مدةً أطول مع إبادة لا تنتهي أبداً في ذاكرته

إنّ الجسد الماثل أمامكم قد خرج لتوّه من إبادة قذرة، ستُلاحق قلبه كلّما خطرت في باله كلمة: عائلة، بيت، شارع، بناية، طعام، طحين، عاشق، وداع، سرير، مشفى، ماء، سقف، حقيبة، نار، ومذياع. قد لا يحبّ أن يتمنى له أحد عمراً طويلاً، فذلك يعني أن يعيش مدةً أطول مع إبادة لا تنتهي أبداً في ذاكرته.

فكيف لا يبكي، وكيف لا يكتب طوال عمره عن الأغصان المكسورة، وأوراق الخريف؟ فكيف لا يُقيم مآتم للغيوم الراحلة، وبكاءً عند كلّ نافذة مهشّمة؟

أيّها الناس، إنني لن أستطيع العيش بعد الآن معكم، فقد وُلِدت بقلبٍ متشظٍ، وجراح غائرة، واضعاً قدميّ على الأرض، وشاعراً بكلّ خلية تنبض فيّ، أنا في الأصل لست لاعباً مهمّاً في حياتكم، ولا أريد سوى أن أحدّق بإمعان في كلّ ما يقبل الكتابة. إنّ كلّ خلية في جسدي تقول إنّ هذه مهمتي فحسب، إنّ كلّ تجربة حبٍّ في حياتي تقول إنني خلقت لذلك، إنّ كل ما في حياتي يقول إنّه عليّ أن أبصر جيّداً تلك الأشياء التي لا يلحظها أحد.

عليّ أن أبصر جيّداً تلك الأشياء التي لا يلحظها أحد

أيّها الناس، إنّني لن أستطيع العيش بعد الآن معكم، لم آت إلى هذه الحياة لأشارككم في شيء، سأقف دائماً خارج الأضواء والمنصّات، باحثاً عن اسم يليق بوردة

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح