أرض الميعاد من جدران المعبد إلى الجغرافيا
ظلّت فكرة أرض الميعاد من الأدوات المهمّة في الفكر الصهيوني، فمنذ تبلورت الحركة الصهيونية الحديثة في أواخر القرن التاسع عشر، كانت الفكرة حجر الزاوية الأهم في خطاب إضفاء الشرعيّة على مشروع الاستيطان اليهودي في فلسطين. ولم تكن هذه الفكرة مجرّد استدعاءٍ لنصوص توراتية أو أساطير قديمة، بل تحوّلت أداةً سياسيةً قابلةً للتوظيف في كلّ مرحلة بحسب الحاجة، تُضخَّم إلى إسرائيل الكبرى، حين يكون المطلوب تعبئة داخلية أو تعزيز المطالب التوسّعية إذا تهيّأت الظروف، وتُهوَّن إلى حدود فلسطين التاريخية، أو ربّما استثناء الضفة الغربية وقطاع غزّة، حين يصبح الواقع السياسي والدبلوماسي أكثر تعقيداً ويحتاج إلى مرونة وواقعية. وبين التهويل والتهوين، ظلّ المشروع الصهيوني يقدّم نفسه إلى العالم بصورة متناقضة ظاهرها تعدّد القراءات، وباطنُها براغماتية استعمارية تستغلّ اللحظة التاريخية لتوسيع الجغرافيا. ولم يكن غريباً أن يختار الحاخام يهودا ليب فيشمان، وهو أول وزير للشؤون الدينية في الكيان الصهيوني، وأحد زعماء الصهيونية الدينية، الوقوف أمام لجنة الأمم المتحدة الخاصّة بفلسطين عام 1947، ليقول بوضوح: إن الربّ وعد اليهود بأرض تمتدّ ما بين النيل والفرات. ولم يكن ذلك التصريح حينها مجرّد تعبير عن رؤية دينية بحتة جسّدها نصّ توراتي قديم، بل أيضاً رسالة سياسية، لم تكن موجّهةً فقط إلى المجتمع الدولي لتذكيره بأن الطموح اليهودي يمتدّ إلى ما هو أبعد بكثير من أرض فلسطين، بل كانت بمثابة خطاب ميثولوجي احتاجت إليه الصهيونية لتعزيز شعور اليهود حول العالم بأنهم ليسوا حركةً سياسية فحسب، بل تجسيدٌ لوعد تاريخي إلهي، يجعل هذه الجغرافيا الواسعة وطناً طبيعياً لليهود.
وخلال العقدَين الماضيين، ومع تصدّر اليمين المشهد في إسرائيل وصعود قوى أقصى اليمين، وتآكل اليسار الصهيوني، لم تعد هناك قيمة للأصوات التي كانت تنادي بضرورة عدم استحضار خطاب الوعد الديني التوسعي، على اعتبار أن تحويل الرمز الديني سياسات عملية لم يكن مناسباً للمرحلة، ولا يصلح أن يكون أساساً واقعياً للسياسة، وأن التوسّع يمثّل خطراً حقيقياً على إسرائيل. وأصبحت كتابات أدباء وصحافيين مثل سامي ميخائيل، وأبراهام ب. يهوشوع، وعاموس عوز، ودافيد
ارسال الخبر الى: