نجيب السراج أن تغني سورية وردة وردة

44 مشاهدة
حين ينصت المستمع إلى تسجيلات المطرب السوري نجيب السراج 1923 2003 يتفهم على الفور سر افتخار سوريي حماة بانتماء هذا الفنان إلى مدينتهم امتلك الرجل صوتا مفرط العذوبة والرقة ومع إجادته التامة للعزف على العود تفجرت أيضا موهبته التلحينية فخلف ثروة من الأغاني التي شدا بها بصوته الفريد أو التي لحنها ليغنيها مطربون ومطربات لهم مكانتهم في الحياة الغنائية السورية في الثانية عشرة من عمره وجد نجيب السراج في نفسه ميلا شديدا إلى الغناء فكان ينجذب إلى كل صوت جميل ولو كان لبائع متجول ينادي على بضاعته ويجتهد في إعادة غناء ما سمعه وسط تشجيع الأقارب وزملاء الدراسة مع موهبته الغنائية بدأ نجيب السراج بتعلم العزف على آلة العود على يد معلمه عبد الستار سلامة ثم صقل عزفه بدروس تلقاها عن عازف العود الحموي الشهير عمر النقشبندي وقد مكنه إتقان العزف من إشباع هوايته في التلحين التي لم تكن جذوتها أقل اشتعالا من جذوة هواية الغناء صار الرجل مطربا وعازفا وملحنا مكتملا لكنه بقي طوال حياته دائرا في المجال المغناطيسي لمحمد عبد الوهاب متأثرا به وبأسلوبه الغنائي بل بفكره التلحيني رغم اطلاعه الواسع على مختلف الاتجاهات الموسيقية في سورية وأيضا في مصر التي زارها للمرة الأولى عام 1952 ثم تكررت زياراته لها وإقامته فيها وتوثقت علاقته بأعلام التلحين بها لحن وغنى لسورية ولمدنها الكبرى فشدا للعاصمة أدمنت حبك يا دمشق للشاعر خليل خوري ولحمص من كلمات الشاعر عيسى أيوب حمص كم غنيتك وردة وردة ولحماة بكلمات الشاعر منذر لطفي حماة في خاطري ولحلب من نظم الشاعر حسين راجي بعنوان هامت الأشواق كان طموح نجيب السراج كبيرا وحين بلغ 20 عاما رأى أن الحياة الفنية في مدينة حماة لا تلبي تطلعاته فانتقل إلى العاصمة عام 1943 عقب افتتاح إذاعة دمشق التابعة لسلطة الانتداب الفرنسي وتعرف إلى عازف الكلارينيت طارق مدحة وتلقى منه قواعد التدوين الموسيقي حتى أجاده إجادة تامة أصبح الشاب العشريني جاهزا كي يرمي بنفسه وبخطوات واثقة في معترك الحياة الفنية عمليا سواء بالغناء أو التلحين وبالفعل بدأ السراج خطواته بالتراث الشعبي فاهتم كثيرا بفن المواليا وسجل بعض أعماله لإذاعة صوت العرب فاتسعت شهرته عربيا وكان من أثر ذلك تلقيه دعوة عام 1953 للمشاركة بالغناء في حفل تتويج العاهل الأردني الملك حسين في القاهرة التقى السراج كبار الموسيقيين وتعرف إلى محمد القصبجي ورياض السنباطي وبالطبع التقى مثله الفني الأعلى محمد عبد الوهاب كان أثر موسيقار الأجيال في السراج عميقا انعكس على طريقته في إنتاج الصوت وعلى أسلوبه في أداء القصائد والمونولوجات كان السراج يغني بأداء شديد الرقي والتهذيب يقتصد في العرب والزخارف كأنه يصر على إبلاغ رسالة إلى مستمعيه مفادها أنه ينهل من بحر عبد الوهاب ويسير على خطواته ليس في الغناء فقط بل في التلحين حتى في المواويل جاء إنتاج السراج منها وكأنه استنساخ للموال الوهابي لم يكن غريبا أن يطلق بعض المهتمين بالغناء على نجيب السراج وصف عبد الوهاب سورية كان اهتمام السراج بالقصائد كبيرا أحب الرجل الكلمة الفصيحة والتعبير الرفيع كانت أول كلمات يلحنها وهو ما زال في حماة قصيدة لوجيه البارودي يقول مطلعها إن كنت تنساني فلست تهواني ولعل قالب القصيدة يشكل الجانب الأكبر من الإرث الغنائي للسراج ومن هذه القصائد تمثيلا لا حصرا أخت الزهر لكمال فوزي وقالت سآتي في غد لوجيه البارودي وبربك عودي لعمر حلبي ويا صديقة لمازن النقيب وأنشودة دمشق لعمر أبو ريشة لكن من أهم محطاته مع الكلمات الفصيحة تلحينه عام 1958 لقصيدة بيت الحبيبة التي نظمها نزار قباني كانت هذه أولى قصائد قباني التي تعرف طريقها إلى التلحين والغناء وبها كان السراج أول ملحن ومطرب يكتشف الصلاحية الغنائية في إنتاج قباني في ألحانه اختار السراج طريق الحداثة والتطوير اقتداء بمحمد عبد الوهاب كان يميل إلى الطابع الدرامي في بناء القصيدة أو المونولوج ويجنح إلى أن يكون البعد التعبيري للحن واضحا جليا ولأن عبد الوهاب كان كثيرا ما يختار الموزع الموسيقي الشهير أندريا رايدر لتوزيع ألحانه قرر السراج أن يسير على الطريق نفسه فطلب من رايدر توزيع بعض ما وضعه من ألحان ومنها قصيدة ليالي الشتاء التي كان لحنها مع توزيعها سببا لارتفاع مكانة الرجل في عموم سورية بعد أن صار كثير من أهل الفن ينظرون إليه باعتباره أبرع من يلحن القصيدة العاطفية الرومانتيكية وضع نجيب السراج الألحان لعدد من نجوم الغناء وفي مقدمتهم مها الجابري وسعاد محمد وكروان ومصطفى نصري وفايزة أحمد وماري جبران وفؤاد غازي وربا الجمال وأصالة نصري وعلية التونسية وياسين محمود وعدنان صادق وفتى دمشق وأجفان الأمير وغيرهم في سورية ولبنان وبعض البلدان العربية وفي كل ألحانه ابتعد الرجل عن النمط التجاري ورفض التماهي مع الاتجاهات الإنتاجية التي لا تفكر إلا في قيم السوق والأرباح المادية تروي السيرة الذاتية البعيدة للسراج أن والده أخرجه من المدرسة وهو ابن تسع سنوات بغرض أن يتعلم مهنة الخياطة من عمه لكن الطفل أصر على مواصلة دراسته بالرغم من أن الدراسة لم تكن همه الأول وإنما كانت سياجا يحتمي به إلى أن تحين فرصة التفرغ للفن وفي حماة كان التراث الشعبي زاده الأساس وعندما مثل أمام لجنة الاختبار في إذاعة دمشق منتصف الأربعينيات غنى أعمالا لمحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وأم كلثوم سأله أعضاء اللجنة إن كان يحفظ شيئا من الأغاني التراثية الحموية فأمطرهم من محفوظه الكبير لكن السراج كان يعلم في نفسه أن انغماسه في التراث الشعبي لن يلبي طموحه في بناء سمعة غنائية وتلحينية خاصة فأخذ يتحول تدريجيا من التراثي إلى الحداثي ومن الحموي إلى المصري ثم اختزل ما هو مصري في شخص عبد الوهاب ومن التجارب التي توضح مدى تأثر نجيب السراج بمحمد عبد الوهاب تلحينه وغناؤه لأبيات من قصيدة البردة الشهيرة التي نظمها الإمام البوصيري في المديح النبوي فبالرغم من أن عبد الوهاب لم يخض تجربة تلحين القصائد الصوفية ولم يكن أمام السراج نموذج يقتدي به لكن المستمع يشعر أنه أمام عمل مشترك لعبد الوهاب والسنباطي معا يرى بعض المهتمين بالغناء السوري أن السراج امتلك قدرة صوتية وغنائية وتلحينية ليست قليلة لكنه ظلم نفسه بإرادته حين اختار تبعية فنية كاملة لعبد للمدرسة الغنائية المصرية عموما ولعبد الوهاب خصوصا كان ذلك السبب الرئيس لانحسار شهرته إلى داخل سورية وتراجع الاهتمام به في مصر حيث عبد الوهاب الأصلي لكن آخرين يرون أن للرجل أعمالا تقربه من طريق الاستقلال الفني ولا سيما في أعماله ذات الطابع الشعبي فالسراج لم يترك هذا الجانب في الكلية وإنما تخفف منه لحساب القصائد والحقيقة أن السراج امتلك صوتا جميلا جدا كانت فيه مسحة وهابية طبيعية لم يخترها لكنه في مراحل تالية اتكأ عليها ونماها واستثمر فيها بعدما رأى ما تحققه من شهرة ونجاح واحترام ترك الرجل ما يقرب من 320 لحنا ستبقى جزءا مهما من التاريخ الغنائي السوري في القرن الماضي

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح