مأزق السلطة في سورية الجديدة

27 مشاهدة
يعاني المشهد السوري اليوم من انزلاق متسارع نحو إعادة إنتاج الطائفية ولكن هذه المرة على نحو معكوس فبينما كانت الطائفية السياسية سابقا أداة تمكين للأقلية العلوية في مفاصل الدولة والنظام تتخذ اليوم ملامحها الجديدة شكل تماه سني مع الدولة بوصفها مكسبا انتقاليا بعد سنوات طويلة من الإقصاء والعنف غير أن هذا التغيير في الهوية السياسية لا يصاحبه تغيير في بنية الدولة أو منطق الحكم ما يجعل من الدولة السورية المعاصرة كيانا هشا يعيد إنتاج التصدع بدلا من معالجته التصورات كما يشير علم النفس السياسي لا تقل أهمية عن الوقائع بل تتفوق عليها أحيانا في توجيه السلوك فالمجتمعات لا تتفاعل مع الواقع كما هو بل كما تتصوره وفي الحالة السورية تشكل لدى قطاعات واسعة من المسلمين السنة تصور عميق بأن ما جرى منذ عام 2011 ليس فقط قمعا لثورة شعبية بل استهدافا طائفيا ممنهجا مارسه نظام منحاز لأقلية مذهبية واستقوى بصمت أو تأييد من أقليات أخرى هذا التصور غذته وقائع ميدانية دامغة لكنه سرعان ما تحول لدى البعض إلى بوصلة تفسير مطلقة تقرأ كل شيء من منظور طائفي صرف لقد أنتج هذا التصور مشاعر عدائية تجاه الأقليات وولد استبطانا لثنائية ظالم علوي أقلي ومظلوم سني أكثري لا تترك مجالا لتصور وطني جامع ومع تراجع المد الثوري وارتفاع وتيرة العنف الأسدي تعزز حضور هذه الثنائية في الإعلام والمعارضة والمجتمع حتى بات تبرير الانتقام أو تقبل العنف المضاد أمرا شائعا حتى في أوساط من يفترض أنهم حداثيون أو لادينيون الانقلاب في الهوية لا يعني بالضرورة تحولا في البنية إذ لا تزال مؤسسات الدولة تفتقر إلى مبدأ المواطنة وتدار بمنطق العصبية والولاء الطائفي اللافت أن هذا التصور الطائفي لم يعد مقتصرا على النظرة إلى الماضي بل بدأ يوجه الحاضر ويصوغ المواقف من السلطة الجديدة في دمشق ففي لحظة يفترض أنها انتقالية تتحول الدولة من مشروع عمومي إلى ملكية طائفية مضادة هذا ما يجعل بعض السنة يتماهى مع الدولة الجديدة على نحو يشبه تمسك العلويين بـدولتهم السابقة في الحالتين الدولة أداة للخوف لا للتعايش هذا الانقلاب في الهوية لا يعني بالضرورة تحولا في البنية إذ لا تزال مؤسسات الدولة تفتقر إلى مبدأ المواطنة وتدار بمنطق العصبية والولاء الطائفي من جهة أخرى يعاني النظام الجديد من مفارقة حادة السنة وإن كانوا أكثرية عددية لا يمتلكون التمكين السياسي الذي امتلكه العلويون سابقا من باب أن العلويين حكموا لـ40 عاما فالأكثرية بطبيعتها أكثر تنوعا وتعددية وأقل قابلية للتماهي الصلب مع السلطة كما أن الخوف الذي يسكن الوعي السني حيال العدو الأسدي لا يرقى إلى الخوف الوجودي الذي شحن العصبية العلوية في العقود الماضية لذا يصعب على النظام الجديد أن يستنسخ تجربة الأسد الطائفية على المدى البعيد يصعب على النظام الجديد أن يستنسخ تجربة الأسد الطائفية على المدى البعيد الإشكال أن هذه التصورات المتبادلة تنتج أشكالا من الصراع الذاتي تشبه أمراض المناعة الذاتية في الجسد البشري حيث تنقلب آليات الحماية إلى أدوات فتاكة فكما استخدم خطاب حماية الدولة سابقا لتبرير المجازر يستخدم اليوم لتسويغ العنف المضاد وكأن الدولة مجرد ذريعة لتصفية حسابات مذهبية مؤجلة النتيجة أن أي نظام سياسي جديد في سورية لن يستطيع الاستقرار ما لم يدرك خطورة الطائفية ويواجهها بجرأة لا بمجرد خطابات المطلوب ليس توازنا طائفيا بل إعادة تأسيس للدولة على أساس المواطنة بما يتيح لجميع المكونات التماهي مع الدولة لا الخوف منها أو الاحتماء بها ختاما فإن إعادة إنتاج السلطة على أسس طائفية مقلوبة مع الإبقاء على منطق الإقصاء والتخوين والعنف لن تقود إلا إلى دورة صراع جديدة وحده تفكيك التصورات الطائفية وبناء تصور وطني جامع قادر على منح سورية استقرارا حقيقيا بعيدا عن هويات القلق وثنائيات الضحية والجلاد

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح