خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان وقبل سريان اتفاق وقف إطلاق النار فجر الأربعاء الماضي عانى اللبنانيون صعوبات عدة في إقامة مراسم دفن ذويهم فالكثير من قرى الجنوب دمرت بالكامل كما طاول التدمير مدافنها أيضا وكانت عشرات البلدات الجنوبية تظهر بشكل شبه يومي في الخرائط التي ينشرها الجيش الإسرائيلي ويحذر فيها من التوجه نحو تلك البلدات ولمراسم الدفن في بلدات لبنان الجنوبية رمزية كبيرة خاصة لدى السكان المسلمين لذا عاش الأهالي فترات قاسية بعد وفاة أفراد من عائلاتهم في حين لجأ البعض إلى حلول استثنائية من بينها دفن الوديعة لأجل غير محدد يروي اللبناني أحمد بيضون لـالعربي الجديد تفاصيل مراسم دفن شقيقه الاستثنائية في زمن الحرب قائلا حرمت عائلتي من حضور مراسم دفن شقيقي الأصغر إذ كان القصف الإسرائيلي مكثفا على القرى الجنوبية ما أجبرنا على دفنه وديعة في أرض فارغة بمنطقة صور لم نتمكن من دفنه في بلدتنا كفرا بسبب الغارات الإسرائيلية العنيفة ولأن إكرام الميت دفنه وافقنا على طريقة الدفن الاستثنائية بعد سجال عائلي طويل يضيف بيضون غادرنا القرية قبل أسابيع حين كثف الجيش الإسرائيلي الغارات على الجنوب وتوزعت العائلة على مناطق مختلفة إذ انتقلت زوجة شقيقي إلى شرقي مدينة بيروت ونزح شقيقي إلى مدينة طرابلس شمال وشقيقتي أيضا تعيش في بيروت كان ممنوعا حضور أفراد العائلة مراسم الدفن في مدينة صور حفاظا على سلامتهم وحضرت المراسم وحدي وكانت تلك من أصعب وأقسى اللحظات التي عشتها في حياتي إذ لم أتخيل يوما أنني سأدفن شقيقي وحدي يتابع في البداية لم يوافق أحد من العائلة على دفنه وديعة لكننا لم نكن نملك الكثير من الوقت وكان علينا اتخاذ القرار سريعا وبعد تشاور قبلنا بذلك لم نقم بأي مراسم لتقبل التعازي كما اعتاد أهل قريتنا فمن تقاليد العزاء في القرية أن يوزع الطعام عن روح الميت وأن تفتح أبواب المنزل لاستقبال الناس وكل هذا لم يحصل ولم نعلم إن كان منزلنا لا يزال سليما أم جرى تدميره كما أن توزع أفراد العائلة كان في مناطق مختلفة وقد اتفقنا هاتفيا على تقاسم قراءة أجزاء القرآن الكريم فقط ويوضح أنه مع انتهاء الحرب سنعيد نقل جثة شقيقي إلى مدفن البلدة وحينها سنقيم مراسم العزاء لم أودع شقيقي كما يجب لذا سأنتظر نقله إلى البلدة لأودعه للمرة الأخيرة دفن الوديعة كان حلا مؤقتا والأكيد أن الألم يتجدد مع نقل الجثة لدفنها في القرية كان دفن الوديعة مصطلحا جديدا على كثير من اللبنانيين انتقلت ريان نصر الله مع عائلة زوجها من بلدة حولا في قضاء مرجعيون بمحافظة النبطية إلى المعيصرة في قضاء كسروان لم تكن تعلم أنها ستكون الناجية الوحيدة من العائلة إذ أغار الطيران الإسرائيلي على المبنى الذي نزحت إليه وخسرت خمسة من أفراد العائلة تقول لم نكن نملك معلومات وافية حول دفن الوديعة وكان مصطلحا جديدا علينا وقمت بالاستفسار عنه من رجال الدين إذ لم يسبق لأحد من عائلتي أو معارفي أن قام بذلك تتابع نصر الله عادة يدفن الميت في بلدته وكانت هناك صعوبات كبيرة في الوصول إلى بلدتنا التي دمرت بشكل شبه كامل وبالتالي هناك مخاطر لإقامة مراسم الدفن هناك لذا أجبرت على دفنهم في قرية المعيصرة الوجع كبير فقد خسرت العائلة خلال ثوان ولم أتمكن من دفنهم في بلدتهم كان بالقرب منا عدد من العائلات النازحة من قريتنا وقد شاركوني في التشييع كانت لحظات مؤلمة فالحرب منعتنا من التعبير عن حزننا والمؤكد أنني سأنقلهم إلى حولا كي ترتاح أرواحهم فالإنسان يحب أن يدفن في الأرض التي ولد بها وهذا ما اعتدنا عليه بدوره نزح محمد ملك من بلدة رميش إلى بيروت رفقة عائلته وبعد أيام علم أن منزله الذي لا يملك غيره سوي بالأرض كما نزحت عائلة شقيقته إلى بلدة زغرتا شمال لكن ما لبث زوجها أن توفي بسبب عارض صحي مفاجئ فأجبرت العائلة على دفنه وديعة في أحد مدافن زغرتا يقول ملك لـالعربي الجديد في بادئ الأمر لم تتقبل شقيقتي القرار إذ كانت تريد دفن زوجها في بلدته رميش لكنها تقبلت الأمر بعد أن تأكدت أن رحلة الوصول بالجثمان إلى البلدة ستكون مليئة بالمخاطر على العائلة لم نقم بأي مراسم للدفن بل قدمنا المعلومات المطلوبة للبلدية وحصلنا على رقم خاص بالعائلة ومع انتهاء الحرب ستعطى الجثة لنا بناء على الرقم الرسمي المسجل لدى البلدية وحينها ستقوم شقيقتي بمراسم الدفن المعتادة لتوديع زوجها واتخذت الكثير من التدابير الاستثنائية في جنوب لبنان خلال الفترة التي سبقت العدوان ففي السابق كان ابن البلدة يدفن في مدافنها بعد التنسيق مع الجيش اللبناني وقوات يونيفيل ثم تقام مراسم دفنه وتشييعه بعد الحصول على ضمانة بعدم إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على المشاركين في موكب التشييع لكن مع توسع الحرب شملت الغارات جميع البلدات ولم يعد الأهالي يملكون القدرة على إقامة هذه المراسم أو حضور الدفن وبناء على هذه الظروف سمح المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية بدفن الوديعة في الأراضي الخالية التي خصصت لهذا الغرض بمنطقة صور على أن تسلم الجثامين للعائلات بعد انتهاء الحرب لدفنهم في بلداتهم يوضح مندوب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ ربيع قبيسي وهو يعمل في دار الإفتاء الجعفري في صور لـالعربي الجديد أن أكثر من 145 شخصا من أهالي جنوب لبنان دفنوا ودائع في هذه الأرض وهم الذين لم تتمكن عائلاتهم من دفنهم في بلداتهم الحدودية بسبب القصف الإسرائيلي ويؤكد هذه تدابير استثنائية في زمن الحرب ودفن الوديعة يعتمد في ظروف كهذه إذ نقوم بوضع الجثة داخل صندوق خشبي ويمنع إعادة فتحه ويدفن ومن ثم يسجل رقم هذا الصندوق مع جميع معلومات الميت وكل التفاصيل عن عائلته ومن ثم يسلم لعائلته لدفنه مجددا بعد انتهاء الحرب ولصعوبة هذه التدابير لم تتمكن العديد من عائلات الضحايا من حضور مراسم الدفن يقول الشيخ قبيسي قبل أسابيع دفنت أحد الأشخاص وحدي ولم تتمكن عائلته من الحضور وقد تسلمت جثة الضحية من المشفى وأقمت جميع المراسم منفردا هذه إحدى مآسي الحرب من جهته يصف الشاب علي أحمد شور قرار عائلته بدفن والده وديعة في الأرض التي حددت للدفن المؤقت في مدينة صور بأنه قرار موجع جدا استشهد والد علي في قرية جناتا حين أغارت طائرة إسرائيلية على القرية فدمرت المنزل ولم تتمكن العائلة من حضور مراسم الدفن بسبب صعوبة الوصول إلى القرية يقول شور لـالعربي الجديد نزحت العائلة إلى بيروت لكن والدي أصر على البقاء في المنزل رافضا المغادرة وحين بلغنا خبر استشهاده لم نتمكن من حضور الدفن ولا إقامة مراسم العزاء وقررت العائلة دفنه وديعة في مدينة صور والدتي لم تتقبل هذا القرار بعد وتعتقد أننا سنزعج والدي مرتين في المرة الأولى حين دفنت جثته وديعة وفي المرة الثانية حين ننقله من صور إلى جناتا ليدفن في مقبرة القرية ومع بدء سريان وقف اطلاق النار سنشيع الوالد ونقيم مراسم العزاء له استشهد جوزيف البداوي بغارة إسرائيلية على مركز الدفاع المدني في دردغيا حيث يعمل ولم يكن أمام عائلته خيار سوى دفنه وديعة في مدينة صور يقول شقيقه روني لـالعربي الجديد وضعنا شقيقي وديعة في مطرانية صور في مدفن خاص بعائلة أحد أقاربنا كان صعبا دفن شقيقي في مدفن العائلة في بلدتنا دردغيا بسبب الغارات الإسرائيلية العنيفة كما أن العائلة متوزعة بين مناطق بيروت لذا عجزنا عن إقامة مراسم الدفن اللازمة له دفن شقيقي وديعة لحين وسيبقى هذا جرحا مفتوحا إلى حين نقل جثته إلى مدفن عائلتي الخاص وحينها سنتأكد أن روحه سترقد بسلام