زلزال إسطنبول بين صفحة الرواية وهول الهزة

70 مشاهدة

دويٌ مفاجئٌ اجتاح الصمت الذي تلبّد في شقتنا بالطابق الثالث في منطقة العمرانية في إسطنبول. انتفض قلبي قبل أن يُدرك عقلي ما يجري، إذ كنت قد استيقظت متثاقلة عند الساعة التاسعة والنصف في صباح يوم عطلة رسمية بتركيا، يوم خال من الانشغالات، إذ شاركتُ صديقاتي، شُورَى وعسَل وبيضاء، فطورنا التركي المُعتاد (جبن وزيتون وطماطم طازجة، خبز دافئ وعسل أبيض) في الصالون عند الساعة الحادية عشرة، مع ضحكات تنساب كالماء في ردهات الشرفة المفتوحة على نسيم الصباح.

لم تكن بيضاء من ساكنات إسطنبول، فقد كانت ضيفة عزيزة جاءت من مدينة دنيزلي لتقضي معنا يومين للسياحة. أحبّت دفء صحبتنا، وتمنّت أن تعيش لحظات استجمام بسيطة في المدينة التي لا تنام.

بعد الفطور، تخلّيت عن خرير الأحاديث وجلبة المائدة، وانتقلتُ إلى غرفتي. أعددتُ فنجان قهوتي الفرنسية، ووضعت بين يدي رواية تركية لطبيب حاذق يحكي قصة تحديه لصعوبات الحياة، كنت استعرتها قبل يوم من صديقتي شورى لأقرأها على ضوء النهار. وما إن تمدّدت على السرير، وارتشفت رشفةً تعبقُ برائحة البن، حتى بدأت رجفة عنيفة؛ شعرت معها بأنّ الأرض تحتنا تستفيق من سباتها، وأدركت أنّ هزة زلزالية قد بدأت تسرق الهدوء من أضلاعنا.

نزلت من السرير بقلق، وارتديت حجابي بسرعة كمن يستعدّ لأمر جلل، وهرعت إلى باب الشقة. بدا الدرج يرج ارتجاجًا وكأنه سينطوي تحت وقع أقدامنا. فتراجعت إلى الداخل، حيث ملاذنا الوحيد، وحيث أسرّتنا المتقابلة في نفس الغرفة. جلسنا هناك منحنيتين على سجاد الغرفة، أنا وشورى، متشبّعتين بقناعة واحدة: هذا قضاءٌ وقدرٌ… ولا نجاة إلا بإرادة الله. استمرّ البيت في اهتزازه لفترة بدت لنا دهراً، وكانت صرخاتُ عسل لا تزيد من رنين الوجع إلا ثقلاً. كيف لا، وكانت أصغر بنت بيننا، ولأوّل مرّة تختبر زلزالًا كهذا.

التضامن الإنسانيّ هو ملاذنا الأول حين تنهار مساحات الأمان

عقب توقف الهزّة، خرجنا إلى الشارع الذي احتضننا وجيراننا، برفقة وجوه الأطفال المُرهَقة بالذهول. ارتعشت أطرافي أكثر من ساعة ونصف؛ فقد لمست للمرّة الأولى هشاشةَ الحياة بصدق لم يسبق

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح