يمن اللاسلام واللاحرب واللادولة
أخيراً، وصل وفدٌ حوثيٌّ كبيرٌ إلى الرياض، عاصمة العدوان كما كانوا يطلقون عليها، لأول مرة ممثلا جماعته، منذ بدأت الحرب في اليمن قبل تسع سنوات مضت، مع وفد عُماني، تتويجا لسلسلة طويلة من المباحثات والمشاورات السرّية والعلنية، بين هذه الأطراف التي تسارعت لقاءاتها بوتيرة عالية مع المصالحة السعودية الإيرانية برعاية صينية، والتي توجت أخيرا بتبادل السفراء بين طهران والرياض، ما أعطى ضوءاً أخضر للحوثيين للذهاب والحج نحو الرياض.
كانت السعودية ولا تزال اللاعب الأقوى في الملف اليمني قديماً وحديثاً، وذهاب الحوثيين إليها، أخيرا، أمنية حوثية تأخرت أكثر من عشر سنوات، بفعل الممانعة الإيرانية لذلك، أما اليوم وقد تصالحت إيران والسعودية، فإن هذا ما كان ينقص الحوثيين للذهاب إلى الرياض، وهو ما تحقق لهم. ولكن إلى أي مدى يمكن أن ينعكس مثل هذا اللقاء، من ترتيبات ونتائج، على المشهد اليمني، وهل يمثل أي توقيع في الرياض خاتمة الحرب والأزمة في اليمن، وما موقع الحوثيين ونصيب خصومهم من أي تسوية، وهل يعني هذا أن الحوثيين غادروا مربع الانقلاب وأصبحوا شرعية معترف بها سعودياً على الأقل؟ أم أن الأمر برمته قفزة في الهواء بالنسبة للسعوديين والحوثيين على حد سواء.
ما يمكن قوله هنا، في هذا الخصوص، أن هذا التطوّر أخيرا في المشهد السياسي اليمني، وصول الحوثيين إلى الرياض، لم يكن مفاجئا لأي متابع وقارئ جيد للمشهد السياسي اليمني ولطبيعة السياسات السعودية في اليمن والمنطقة، تلك السياسات التي تدمن التكتيكي على حساب الاستراتيجي، والهروب إلى الإمام وعدم الوقوف في المكان نفسه فترة أطول، والقفز المفاجئ على الواقع السياسي القائم مهما كانت كارثية نتائج هذا القفز، وهي ميزة سياسية سعودية بامتياز. وبالتالي، مثل هذه اللقاءات وما سيترتب عليها لا تعدو كونها هروبا إلى الأمام بالنسبة للحوثيين والسعوديين على حدّ سواء، فالسعوديون في مرحلة انتقال حكم من جيل إلى آخر، وهم بصدد تصفير عدّاد الأزمات السياسية مع محيطهم، والتفرّغ التام لترتيب هذا الانتقال السياسي الأول من نوعه في تاريخ الدولة السعودية، وكانت الحرب هي مفتتح هذا
ارسال الخبر الى: