عام يمضي كأي عام آخر
عشية انتهاء كلّ عام، يُحكى عن تقليدٍ مهني متَّبع، غالباً: كتابة ملخّصٍ، في مجال محدّد، عن الحاصل في العام الذي ينصرم. تقليدٌ يغيب، ولا حسرة على غيابه، إذْ يشبه غالباً تقارير أمنية، تؤكّد أنّ هذا حاصل في ذاك الوقت، ويندر أنْ يكون هناك تحليلٌ أو نقاشٌ، فالمطلوب وثيقة يُحتَفَظ بها في أرشيفٍ شخصي.
هذا قديمٌ. تدريجياً، تتحرّر المهنة من تقارير كهذه، لمصلحة مقالات تختار الأهمّ، أقلّه بالنسبة إلى كتّابها، لنقاشٍ وحوار جديدين حوله ومعه، من دون التخلّي كلّياً عن المعلومة الموثّقة. كأنْ يختار ناقدٌ سينمائي حدثاً أو قضية أو فيلماً مُثيراً لحدثٍ أو صانعَ قضية، فيكتب مجدّداً فيه، وإنْ بنظرة أنضج وأهدأ، ربما.
غير أنّ الغليان الذي يعيشه عالم اليوم، منذ سنين عدّة، يُلغي ترف انتقاء الأهمّ في مجالات المهنة، لكتابة لعلّها غير نافعةٍ في زمن الانهيارات المتتالية والمتدفقة بقوة شرٍّ يفتك بالبشرية وعالمها. والغليان ذاك ـ إذْ ينتقل من أفكار وثقافات وفنون وعلوم، في إنتاج مزيد من المعرفة والوعي، إلى قتل وإبادة وحرق وإلغاء ـ يجعل الأهمّ في عامٍ منصرم نكتة سمجة، تعجز عن إثارة ابتسامةٍ عابرة. حتى أنّ أي فكرة، تُقال في لقاء يجمع بين المهنة والزمالة والصداقة في سهرةٍ، ويُفترض بها (الفكرة) أنْ تكون مختلفة ولو قليلاً، أو مُثيرة لاهتمامٍ ولو قليل، غير قادرة على انتزاع أكثر من ثوانٍ ضاحكة، فالمناخ العام قاس وممزّق، ولا مكان لمختلف ومُثير لاهتمام، أكثر من الحاصل في العالم منذ سنين عدّة.
فأيّ عنوان سينمائي يُمكنه أنْ يُميّز عاماً منصرماً، كعام 2025؟ هل يكفي اعتباره عاماً سينمائياً فلسطينياً بامتياز، كي يُحتَفل بالأهمّ فيه، مع أنّ الأفلام الفلسطينية الجديدة تعكس مرارات وآلاماً وخراباً وقلاقل وانهيارات وبشاعات؟ هل يتمكّن اختيارُ السينما المصرية، التي تحقِّق بهجةً في ابتكار الأجمل، في أفلام تغوص، أكثر فأكثر، في الذات، عبر علاقة مع أب/أم، أو مع ذات/روح، أو مع بيئة/آخر؛ هل يتمكّن اختيارٌ كهذا من أنْ يكون ميزةً، تستدعي كتابة ونقاشاً وحواراً؟ ماذا عن الحاصل في بلاد
ارسال الخبر الى: