قبل أن ينتصف القرن العشرون كتب جورج أنطونيوس كتابا سماه يقظة العرب قدم فيه آماله ويقينه أيضا من أن العرب الذين خرجوا من هيمنة الأتراك قد دخلوا التاريخ من جديد وهم يستعدون كي يأخذوا مكانهم بين شعوب الأرض بهويتهم العربية الأصيلة بنى أنطونيوس فكرته التي وضعها في كتاب زادت صفحاته على ستمئة صفحة على المعطيات التي كانت تقول إن الأحزاب والتيارات والجمعيات التي كانت قد تشكلت في الأرض العربية هي التعبير عن تلك اليقظة وخاصة أن كتاب أنطونيوس أنجز في السنوات التي كانت تشهد نضالا ثوريا تحرريا ضد الاستعمارين الفرنسي والإنكليزي اللذين حلا محل الاحتلال التركي سوف تتكاثر في المناخ الأدبي الروايات التي أطلق عليها اسم الرواية التاريخية وربما كانت كل الروايات التي كتبت في النصف الثاني من القرن العشرين وأخذت هذا المنحى قد استمدت شرارة من الفكرة الأصل التي وضعها ذلك المؤرخ سوف نقرأ فيما بعد نصوصا روائية عن التاريخ لـ طه حسين ولنجيب محفوظ ولعبد الحميد جودة السحار ولمعروف الأرناؤوط وعبد الرحمن الشرقاوي وغيرهم والملاحظ أن معظم الروايات التاريخية كانت تذهب في اتجاه اليقظة أو في اتجاه البحث عن اللحظات التي كان فيها الشعب ينهض لمقاومة الطغاة أو الغزاة كان التاريخ في النص الإبداعي خزانا لأفكار التحرر والخلاص والانتصار على الأعداء موجة روايات تهرب من واقعها بحثا عن الفانتازيا في التاريخ على أن سنوات السبعينيات من القرن العشرين وما بعد شهدت نكوصا على صعيد الرأي العام صار بعض النقاد يعتبر أن العودة إلى التاريخ في الرواية أت تعبيرا عن الهروب من مواجهة الواقع كان العالم العربي قد بدأ مرحلته الجديدة في الانحدار والتحطم على وقع بنادق هزيمة حزيران يونيو 1967 لا فرق بين من خاض المعركة ومن لم يخضها إذ كانت العدوى عربية أيضا كما كانت مشاعر اليقظة القديمة ربما كان هذا يفسر ذلك التأفف من الرواية التاريخية الذي بدأ يظهر في ذلك الوقت لم تكن ملامح الهزيمة الشاملة قد توضحت بعد وكان لدى الجمهور العربي بصيص قليل من الأمل يمكن أن يغذي عالم الرواية أو عالم الروائي وبدا أن بوسع الرواية أن تساهم في تدارك احتمالات اليأس غير أن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي العربي كان يتدهور مثل كرة ثلج وبسبب الهزائم المتكررة من جهة واستيلاء المستبدين والعسكر على السلطة في معظم الدول العربية بدأت الرواية التاريخية تخلو يوما بعد يوم من الوقائع ذات الدلالة الثورية كانت تلك واحدة من العلامات الهامة عن تأثير الواقع على الرواية وفي ضوء هذا يمكن أن تقرأ رواية مثل الزيني بركات لجمال الغيطاني في المواجهة مع الهزيمة التي حلت بالعرب غير أن الرواية بدأت تبتعد عن التاريخ ومن غير الواضح تماما حتى اليوم فيما إذا كان للأمر علاقة بوعي التاريخ أي أن التاريخ يتغير في الوعي استنادا إلى متغيرات الواقع أم أنها ردة فعل مجردة من الوعي أو أن الروائي يفقد قناعاته بما كان سلفه يراه فالعديد من الروايات راحت تبحث عن الفانتازيا في التاريخ أو تبتعد في سردها عن الموضوعات التي يمكن أن تكون متصلة بالتعليق على الحدث التاريخي في علاقته مع أحداث الواقع روائي من سورية