كيف يعبث الذكاء الاصطناعي بعقولنا

لم تعد مخاطر الذكاء الاصطناعي تقتصر على تزوير الصور أو إنتاج الأخبار الكاذبة، بل تمتد إلى ساحة أكثر خفاءً وخطورة: التلاعب بالذاكرة البشرية. هذه المساحة الحساسة التي تحدد فهمنا للماضي وإدراكنا للحاضر، باتت عرضة لتقنيات قادرة على زرع أحداث لم تقع أو تشويه تفاصيل وقائع حقيقية، حتى في عقول أشخاص يدركون أنهم أمام محتوى مُنشأ آليًا.
عالمة النفس الأمريكية إليزابيث لوفتوس قضت أكثر من نصف قرن في دراسة هشاشة الذاكرة البشرية، وكيف يمكن للمحققين أو المدّعين استغلال هذه الهشاشة لصياغة روايات مزيفة أثناء استجواب الشهود. واليوم، تتعاون لوفتوس، أستاذة علم النفس في جامعة كاليفورنيا – إيرفاين، مع فريق من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، للكشف عن أبعاد جديدة لهذا الخطر في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي، حيث أظهرت تجارب حديثة أن قدرته على زرع ذكريات زائفة قد تتضاعف مقارنة بطرق الإيحاء التقليدية.
الذاكرة.. بناء لا تسجيل
منذ سبعينيات القرن الماضي، أثبتت تجارب لوفتوس أن الذاكرة ليست شريطًا جامدًا يسجل الأحداث، بل عملية بنائية يجمع فيها الدماغ أجزاءً متناثرة من تجارب مختلفة. وببعض الإيحاءات، أمكن إقناع مشاركين بأنهم ضلوا الطريق في طفولتهم داخل مركز تسوق، أو أصيبوا بوعكة من أطعمة معينة، وهو ما غيّر لاحقًا تفضيلاتهم الغذائية.
هذا التصور الخاطئ بأن الذاكرة نسخة مطابقة للماضي يجعلنا أكثر عرضة للتضليل. ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى المشهد، تتسع دائرة المخاطر، خاصة إذا استُخدم بأسلوب يشبه ما يُعرف بـ”الاستطلاعات الموجهة”، التي تزرع معلومة مضللة داخل سؤال بريء ظاهريًا، مثل: “ماذا ستفعل إذا علمت أن شخصية عامة ارتكبت مخالفة؟” – فيتحول الافتراض إلى قناعة.
من الإيحاء اللفظي إلى المحتوى المصوَّر
الباحث بات باتاراناتابورن من “مختبر الوسائط” في MIT يوضح أن زرع الذكريات لا يحتاج إلى مقاطع فيديو مزيفة معقدة، بل يكفي إقناع الشخص بأنه قرأ أو رأى شيئًا في الماضي. وفي تجارب أجراها الفريق، طُلب من متطوعين مشاهدة مقطع لسطو مسلح، ثم وُجّهت إلى بعضهم أسئلة تحمل إيحاءات كاذبة، مثل وجود سيارة هروب لم تُعرض في الفيديو أصلًا.
ارسال الخبر الى: