ما يطلبه المستمعون الزمن الجميل على المنصات الرقمية
تمنحنا منصات الموسيقى الرقمية اليوم صورة شبه دقيقة عن الأغاني القديمة الأكثر رواجاً وحضوراً في الذاكرة السمعية للجمهور؛ فهي لا تكتفي بعرض الأرشيف، بل تعيد ترتيبه وفق ذائقة معاصرة، ترفع بعض الأعمال إلى الواجهة، وتُبقي غيرها في مناطق الظل. وإذا أخذنا سيدة الغناء العربي أم كلثوم مثالاً، فإننا نلاحظ أن انتقالها في مراحل متأخرة من مسيرتها إلى التعاون مع ملحنين جدد، وعلى رأسهم بليغ حمدي ثم محمد عبد الوهاب، كان بمثابة مغامرة فنية كبرى، أثمرت عن أعمال أصبحت اليوم من الأكثر تداولاً واستماعاً. غير أن هذا يقودنا إلى سؤال أوسع: هل تعيش الأغاني لأنها الأفضل فنياً؟ أم لأنها تستند إلى بنى لحنية أكثر جودة؟ أم لأن الذائقة السائدة هي العامل الحاسم في بقائها وانتشارها؟
بعيداً عن عالم الغناء، يمكننا الاستعانة بحيلة سردية ذكية استخدمها الروائي المكسيكي كارلوس فوينتس في روايته كرسي الرئاسة. في هذه الرواية، يلقي رئيس المكسيك خطاباً أمام الكونغرس يطالب فيه، منتصراً للمبادئ، بانسحاب قوات الاحتلال الأميركي من كولومبيا، ولا يكتفي بذلك، بل يفرض حظراً على تصدير النفط المكسيكي إلى الولايات المتحدة. ترد الأخيرة بعقوبة غير معلنة؛ فتقطع جميع أشكال الاتصال السلكية واللاسلكية عن المكسيك، لتختفي فجأة كل وسائل التواصل، من الهاتف إلى الإنترنت، وحتى التلغراف المندثر، بل إن الحمام الزاجل نفسه تسمم كما لو أنه سُحر. في ظل هذا الانقطاع الشامل، لا يبقى سوى وسيلة واحدة للتواصل: الرسائل المكتوبة. هكذا، تتحول الرواية إلى مجموعة مراسلات متبادلة بين شخصياتها، في عودة واعية إلى تقنية سردية كلاسيكية ابتكرها الروائي الإنكليزي صامويل ريتشاردسون في القرن الثامن عشر.
ماذا لو طبقنا هذه الحيلة السردية على عالم الأغاني؟ ماذا لو افترضنا اختفاء التسجيلات الصوتية، واحتراق الأرشيف الموسيقي كما لو أنه سُحر، وتلاشي كل معرفة حديثة بالتدوين الموسيقي؟ في هذا السيناريو المتخيل، لا يبقى سوى التناقل الشفاهي، كما كان الحال في الأزمنة القديمة، إذ تنتقل الأغاني من فم إلى آخر، ومن جيل إلى الذي يليه. وفق هذه الفرضية، أي الأغاني ستبقى من
ارسال الخبر الى: