يصنف اللواء المتقاعد خليفة حفتر كطرف في خريطة الصراع الليبي كونه حليف روسيا ورجلها الأول في ليبيا وطريقتها لتنفيذ سياساتها الرامية إلى التمركز في البلاد واتخاذها قاعدة للتمدد نحو أفريقيا وفيما يبدو هذا التصنيف صحيحا في ظاهره إلا أن الواقع غير ذلك وحفتر يدرك أن موسكو لن تعول عليه على المدى الطويل فلا بد وأنها تملك أوراقا بديلة عنه في المراحل المتقدمة من مشروعها الأفريقي يحمل حفتر خطاباته ومواقفه في الآونة الأخيرة الكثير مما هو موجه إلى أوروبا وإلى واشنطن خصوصا للفت أنظار الأخيرة فيما يبدو ودفعها نحو التقارب والتعامل معه لا سيما أنه رجل يدين بالفضل للجانب الأميركي الذي احتواه لقرابة 25 عاما مقدما له المأوى والحماية والجنسية الأميركية يعود الدعم الأميركي الواضح لحفتر في بنغازي إلى ما يشيره شعار مكافحة الإرهاب كعنوان لحروبه عام 2014 فهو الملف الأهم بالنسبة للأميركيين خصوصا أن وقع مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز بمدينة بنغازي عام 2012 كان لا يزال وقتها قاسيا عليهم يتبع تاليا تغاضي واشنطن عن كل تحركات حفتر التوسيعية بدعم أوروبي أيضا في اتجاه مواقع النفط في الجنوب ووسط شمال البلاد حيث الموانئ ومنابع النفط أما في عدوانه على طرابلس يأتي اتصال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بحفتر عام 2019 في سياق الانعكاس الواضح لموافقة ضمنية أميركية على سيطرة حفتر على العاصمة ويبقى حفتر حتى تلك اللحظة في مأمن من الغضب الأميركي لكن غرقه في مستنقع الحرب على طرابلس يؤدي إلى غرقه أكثر في مستنقع روسيا بمدها يد العون له واستثمار لحظات ضعفه بالتمدد في مفاصل مناطق يسيطر عليها حينها ويصبح بعدها من العسير على حفتر التخلص من سيطرة روسيا التي تتحول أخيرا إلى مراحل متقدمة تغضب واشنطن والأوربيين بشكل صريح وفي الواقع يبدو أن استخدام حفتر ورقة المهاجرين غير النظاميين باتجاه شواطئ أوروبا وتحديدا إيطاليا وفرنسا وتضمينه في خطاباته خلال الاستعراضات العسكرية في سرت وبنغازي أخيرا من تهديدات بأنه لن يفسح المجال أكثر للحوار السياسي في إشارة لإرجاع البلاد إلى دائرة الحرب مجددا والكثير من المواقف آخرها إعلان الحكومة التي تخضع لأوامره في بنغازي عن اتصالات تجريها في موسكو من أجل دعوتها لبناء مصافي لتكرار النفط الليبي في بنغازي وطبرق وبناء مشروع قطار يربط طبرق بمناطق الجنوب الليبي كلها رسائل تحمل في مضامينها خطابا موجها للدول الغربية للفت أنظارها إلى ضرورة التوجه نحوه وأنه لا يزال عاملا فاعلا يمكن التعامل معه يدرك حفتر جيدا أن واشنطن وأوروبا لن تسمح بوجود روسي في شمال أفريقيا مهما كلف الأمر وهي موجودة فعليا في غرب البلاد ولذا فرسائله التي تحمل في طياتها تهديدا مبطنا وآخرها السماح لروسيا ببناء مصاف لتكرير النفط في طبرق وبنغازي وبناء خط للقطار من طبرق إلى فضاء الجنوب قد تحمل معاني أخرى على صلة بأن ركونه لموسكو يأتي بسبب التفات الغرب عنه مما لا شك فيه أن حفتر يعلم جيدا أنه يقع في أوحال مستنقع الصراع الدولي الذي يتجاوز قدراته بمراحل كبيرة وعليه أن يعجل بالسعي للخروج منه خصوصا أنه يعلم أن موسكو لا تحصر تحالفها واتصالها به فقط في الساحة الليبية بل لها تواصلها برموز النظام السابق النافذين في الجنوب الليبي أكثر من نفوذه