بين يدي اليمن الواحد
أضحت الوحدة الاندماجية التي حدثت بين شطري الوطن عام 90م قضية وطنية بالغة التعقيد، فالحديث عن أهميتها واستراتيجيتها وأثرها لم يعد حديثاً مجدياً بعد أن تركت الصراعات وحرب صيف 94م ظلالاً قاتمة على واقعها وتصاعدت دعوات فك الارتباط واتسعت قاعدتها الجماهيرية ومبرراتها الموضوعية، ذلك أن الحروب لا تترك إلا جرحاً غائراً في العمق النفسي، ولن تخفي بين جذوات انتصاراتها إلا رماداً قد يشتعل في لحظة تاريخية فارقة كالذي حدث تحت سماء الربيع العربي، حيث أن الشعور بالظلم والانكسار والهزيمة شكل دافعاً مهماً في عملية التحول في المواقف التي شهدها اليمن، فالذين كانوا يجرمون القول بالانفصال أصبحوا الآن أكثر تقبلاً له، والذين كانوا يدعمون الحراك ويتعاطفون معه أصبحوا الآن أكثر ضيقاً بطرحه إلى درجة الصدام الدامي والمواجهة المسلحة في أكثر من مكان، ولم يكن مثل ذلك إلا نتائج منطقية لمقدمات كان الاستبداد والاستفراد أبرز مظاهرها.
ويمكن أن يقال أن فقدان القيمة والمعنى والشعور بفقدان القوة عوامل نكوص وانكسار تعمل على إيقاظ الهويات التاريخية المتناثرة، وهي عوامل تشظي تفت في عضد الوحدة الوطنية وتساعد على إنتاج كيانات متصارعة، وهو الأمر الذي يمكن قراءته في تجليات المرحلة ومظاهرها ومناخاتها الثقافية والسياسية، فالقضية الجنوبية أصبحت حقيقة لا يمكن القفز على مفردات وجودها وهي جزء من قضية وطنية كبرى ذات أبعاد وأشكال متعددة تركتها مناخات الصراعات منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، والوقوف أمامها يتطلب نقداً ذاتياً ورؤية تصالحية مع التاريخ.
ما لا يدركه فرقاء العمل السياسي الوطني أن الربيع العربي الذي يتباهى به الكثير منهم عمل على التفكيك الذي عزز من الهويات التاريخية والثقافية وأنتج كيانات في ظاهرها الجدة والعصرنة، وفي كوامن جوهرها الامتدادات التاريخية التي تحاول إعادة التكيف مع الواقع الجديد، ولن تكون تلك الكيانات الجديدة إلا كيانات متصارعة تبحث عن الوجود والبقاء والحفاظ على القيمة والمعنى.. وفي ظني أن غياب المشروع الحضاري الجامع سيكون سبباً في ملء الفراغات التي تشتهي الامتلاء، فغياب المشروع لا يدل على ربيع عربي بل سيكون دالاً
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على