من يدفع لك
هذا ليس سؤالاً شخصياً كما يتوهّم أصحابه، بل تهمة جاهزة تُلصق بكل من يعيش خارج ليبيا ويتجرأ على التعبير عن رأيه أو مخالفة القطعان المُسيَّرة. عندنا، يكفي أن تغادر مسقط الرأس، وأن تعيش خارج شرنقة الرأي الأوحد والنسخ الكربونية الباهتة، بكرامة واستقلالية، ليصبح الإنسان متهَماً حتى يثبت العكس.
وأنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا، كوني حقوقياً وشخصاً أقدّم نفسي معارضاً للظلم، دفعتني مواقفي قبل الظروف إلى العيش في المنفى الإجباري منذ عشر سنوات حتى الآن، والحسّابة بتحسب. ومع ذلك، لم أسلم من هذا النوع من الأسئلة التي تأتي دائماً بصيغها المستفزة والمتعددة، بينما يظل معناها واحداً: من يصرف عليك؟
إذا كنت محظوظاً مثلي، ونجوت بأعجوبة من (..) ليبيا، وشققت طريقك نحو ملاذ آمن تستطيع فيه التعبير عن آرائك من دون خوف من الاعتقال أو التغييب أو الترهيب، فستسمع هذا السؤال عاجلاً أم آجلاً.
كأنك، بمجرد مغادرتك ليبيا، تصبح تلقائياً جزءاً من مؤامرة كونية على الوطن والأخلاق والآداب العامة، أو عميلاً لجهة خفية، أو مجنّداً في أجهزة استخبارات غربية. لا أحد يتخيّل أنك قد تكون تعمل وتكافح لتكسب قوت يومك بجهدك، وتصل الليل بالنهار فقط كي تمتلك رأيك، وتكون سيّد نفسك، ولا تخون مبادئك.
وبطبيعة الحال، لستُ مضطراً، أنا أو غيري، للإجابة عن هذا النوع من الأسئلة. كيف تشرح لمن يعتقد أصلاً أن هناك معتوهاً يدفع لك مقابل منشور أو مداخلة تلفزيونية؟ ومهما حصدت من تعليقات أو تفاعلات، فلن يغيّر ذلك شيئاً في معادلة أكبر بكثير من هراء وسائل التواصل الاجتماعي.
بمجرد مغادرتك ليبيا، تصبح تلقائياً جزءاً من مؤامرة كونية. لا أحد يتخيّل أنك قد تكون تعمل وتكافح لتكسب قوت يومك بجهدك، وتصل الليل بالنهار فقط كي تمتلك رأيك
من يعيش في منطقة الراحة، بلا هدف ولا خطة، عالةً على أهله، يستيقظ في منتصف النهار ليمضي ما تبقى منه ممدداً على جنبه، تائهاً بين صفحات التواصل الاجتماعي، يطارد خصوصيات الآخرين، لن يفهم معاناة من فرّ من جحيم الذل والهوان. ولن يستوعب
ارسال الخبر الى: