يحدث داخل خيام الدولة السورية الجديدة
لا يمكن تتبّع مسار الانفجار الطائفي الراهن في سورية من دون التوقّف عند جذوره العميقة عبر عقودٍ من التحوّلات السياسية والصراعات الداخلية والتدخّلات الخارجية، التي جعلت الانتماء الوطني موضوعاً مستداماً للانقسام والتناحر، ما يحتّم مقاربته من زوايا جديدة لفهم الديناميكيات الأشدّ تعقيداً للعنف السوري المعاصر، الذي تبنّى أفكار الجاهلية والحاكمية والتكفير، ويفرض ضرورة الغوص في دهاليز ذاكرة القهر (السُّنية)، التي حصدت الثمار السياسية للانزياحات الدراماتيكية الكبرى في البلاد اليوم، على أنها ليست مجرّد مظلوميةٍ مارقة، بل تركة ثقيلة من الظلم والإقصاء أثقلت كاهل السُّنة. عاشت الطائفة العلوية هذا المشهد بحرفيته سابقاً، محوّلة عصبيّتها أداةً للتقوقع ووسيلة دفاعية في مراحل الضعف، وللهجوم في عهد الأسد. بالتالي، لا تظهر الطائفية عرَضاً في الفراغ الأمني الهائل، ولا صدْعاً أو نكوصاً في الوعي الجمعي المتمرّغ في القاع فقط، بل آلية لخلط الأوراق السياسية في ظلّ انعدام الأفق الوطني وتعرّي البنى المجتمعية. ولعلّ الأمر الأكثر واقعية في السياق أن الكارثة السورية بدأت مُذْ تحوّلت الهُويَّات الاجتماعية معادلاً أمنياً لحماية جماعاتٍ معينة من السقوط عبر تحصين عرش الأسد، خصوصاً العلويين، فانتشرت داخل المدن السُّنية قناعةٌ تُفيد بأنّ البلد مخطوفٌ منهم.
تحوّل الانفجار الطائفي ما بعد الأسد إلى أحد أنماط إعادة إنتاج الصراع وتوزيع النفوذ
وبعيداً عن الجدل الأكاديمي في هذه الحقيقة الشائكة، من حيث مدى حجّيتها التاريخية، فالواقع أنه تمخّضت عنها منظومةُ خوفٍ طائفي متبادل بين السُّنة والعلويين، تُعيد إنتاج نفسها عند كل أزمة، ورغم أن الرئيس أحمد الشرع لم يصرّح علناً بأنّ دولته المشتهاة من لونٍ واحد، فالوقائع لا تُنكِر أن مشروعه يعيد تشكيلها وفق منظور ديني يُقصي كل من لا يدخل ضمن هيكليته، من دون الأخذ بالاعتبار ضرورة إعادة بناء الثقة على قاعدة المواطنة، لا الطائفة. بالتساوق مع ما تقدّم، ينعكس سقوط نظام الأسد في مستقبل التوازنات الطائفية في ظلّ الخطاب الانتقامي الذي تبنّته فصائل متطرّفة، وسوّقته شرائحُ واسعةٌ من السوريين الحاقدين، خصوصاً ضدّ العلويين والدروز، أنهم زوائد اجتماعية يجب تشذيبها، وهنا طُعنت فكرة
ارسال الخبر الى: