قدم المخرج الفلسطيني رائد دزدار في فيلمه الوثائقي يافا أم الغريب وثيقة سينمائية يمكن اعتمادها مرجعا حول المدينة الساحلية الفلسطينية قبل النكبة وكيف شكلت حاضرة ثقافية واقتصادية وسياحية وسياسية وعرض فيلم دزدار أخيرا في مسرح وسينماتك القصبة ضمن فعاليات النكبة سردية سينمائية التي نظمها المسرح بالشراكة مع منصة فلسطين الثقافية تحت رعاية وزارة الثقافة الفلسطينية يافا أم الغريب وتاريخ فلسطين في حديث إلى العربي الجديد يلفت المخرج إلى أن غالبية من قابلهم من سكان يافا في جغرافيات عدة حول العالم وظهروا في يافا أم الغريب رحلوا خلال الأعوام السبعة الأخيرة ولم يتبق منهم على قيد الحياة إلا الفنانة التشكيلية تمام الأكحل مؤكدا أنه يسعى عبر أفلامه إلى إعطاء موضوع الفيلم حقه بحثا في الموضوع ومن ثم في الشخوص يشكل تاريخ يافا تصويرا لتاريخ فلسطين فعمر المدينة يمتد إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد إذ بناها الكنعانيون وغزاها الفراعنة والأشوريون والبابليون والفرس واليونان والرومان وفق ما جاء في مطلع الفيلم الذي لفت إلى أنها خضعت أيضا لكل الممالك الإسلامية هي التي لم تسلم من غزو نابليون بونابارت في عام 1799 حيث ارتكب وجنوده مجزرة بشعة بحق أهل المدينة التي بدأت تتعافى بعد انسحابه وجيشه وتسلم الوالي أبو نبوت الحكم ومنذ مطلع القرن التاسع عشر تبلورت معالم يافا خاصة الاقتصادية منها في محورين رئيسيين الميناء باعتباره معبرا لفلسطين وتجارة الحمضيات خاصة البرتقال الذي لعب دورا رئيسا في ازدهار المدينة وتطورها هي التي وقعت تحت الحكم المصري بعد سيطرة إبراهيم باشا على فلسطين عام 1830 نمت يافا وظهرت أحياء جديدة خارج أسوارها المعروفة وبينها سكنة درويش وسكنة أبو كبير وتل الريش وارشيد قبل أن تقع تحت الاحتلال العسكري البريطاني منذ عام 1917 أي قبل أن تقع كل فلسطين تحت حكم الانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى وحتى احتلال العصابات الصهيونية لها عام 1948 إذ عمد الاحتلال إلى سرقة ومصادرة ممتلكات الفلسطينيين التي نجت من التدمير في يافا يتكئ الفيلم على إعادة بناء فلسطينيي يافا مدينتهم من خلال روايتهم حكاياتها متكئين على ذاكرتهم الحية ومنها حديثهم عن الأحياء التي ولدوا فيها كحي المنشية وتلة العرقتنجي وشارع النزهة وتلة بيدس وحي العجمي علاوة على وسط البلدة القديمة ليافا لافتين إلى أنها كانت تعج بسكان بلاد الشام وخاصة لبنان وسورية وبجنسيات متعددة من الأجانب وعرفت بـأم الغريب لكونها كانت تحتضن كل من يأتيها للإقامة أو العمل أو التجارة وفي الجانب التعليمي جرى الحديث عن العديد من المدارس المتميزة لكن عددا ممن ظهروا في الفيلم انصب تركيزهم على مدرسة الزهراء للإناث أو العامرية للذكور من دون إهمال غيرها من المدارس ذات الحضور الطاغي قبل النكبة صحف يافا كانت يافا عاصمة الصحافة في فلسطين ومن أبرز صحفها اليومية والأسبوعية فلسطين التي كان معظم مدققيها اللغويين ومحرريها من خريجي جامعة الأزهر في غزة وزارها ساسة ومثقفون وفنانون عرب وعالميون كثر منذ تأسيسها قبل الحرب العالمية الأولى إلى جانب صحف الدفاع والصراط المستقيم والشعب والصريح ونداء الأرض واشتهرت يافا أيضا بأسواقها التجارية وعلى رأسها سوق الدير للمواد الغذائية وسوق الصلاحي وسوق الدرهلي وسوق البلابسة في حي العجمي وسوق شارع إسكندر عوض وبصفتها مدينة ساحلية احتوت يافا عددا كبيرا من الملاهي العصرية الأوروبية والمقاهي الشعبية الشرقية وتخدم شرائح سكان المدينة كافة من بينها مقهى البحارة ومقهى البواب ومقهى العجمي ومقهى المدفع وإضافة إلى حديث مفصل في يافا أم الغريب عن إنتاج البرتقال وعن موسم النبي روبين وإذاعة الشرق الأدنى تطرق أبناؤها حين كانوا على قيد الحياة وقت تصوير الفيلم إلى كيف كانت محطة رئيسة لدى كبار الفنانين العرب منذ نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ومنهم الفنان المصري الشيخ سيد الصفتي والفنان الشيخ سلامة حجازي والفنان المسرحي اللبناني جورج أبيض وفي وقت لاحق أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفتحية أحمد ونجيب الريحاني ويوسف وهبي وصباح وليلى مراد يضاف إلى ذلك ازدهار الفرق الفنية المدرسية مسرحا وموسيقى وغناء والفرق والنوادي الرياضية في مختلف المجالات والفرق الكشفية