يعرف الشاعر الإنكليزي وليام بليك 1757 1827 بأنه واحد من أهم رواد المدرسة الرومانسية في الشعر في الحقيقة لم يكن بليك شاعرا فقط بل كان رساما أيضا وصاحب أسلوب فريد بين فناني عصره غير أن سمعته في الشعر طغت على سمعته بالفن لا تختلف أجواء الرسومات التي تركها وليام بليك عن شعره إذ اتسمت في الغالب بأجوائها الخيالية وكائناتها الأسطورية في هذه الرسوم تنقض التنانين على البشر وتجتمع الشياطين والملائكة في حفل راقص بينما تظهر بين الحين والآخر شخصيات بأحجام استثنائية كي تنتصر للخير في مواجهة الشر يرى بعضهم في هذه الشخصيات التي ابتكرها بليك مقدمة مبكرة لشخصيات الأبطال الخارقين الذين ظهروا لاحقا في فن القصص المصورة ثم انتقلوا منه إلى السينما من أجل تسليط الضوء على هذه التجربة الإبداعية الملهمة يفرد متحف فيتزويليام Fitzwilliam في جامعة كامبريدج البريطانية معرضا مخصصا لرسوم الشاعر الإنكليزي ذي الأصول الأيرلندية تحت عنوان عالم وليام بليك تلمح الكلمة التقديمية للمعرض بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولكن من دون الإفصاح عنه صراحة إذ تدعو الجمهور إلى الاستمتاع بالطبيعة الروحانية لأعمال بليك باعتبارها نوعا من الاستجابة للفن في مقابل دعوات الحرب والاضطرابات السياسية يضم المعرض الجديد تشكيلة متنوعة من أعمال الفنان الإنكليزي من مجموعة المتحف الخاصة إلى جانب عدد من الأعمال الفنية لمعاصريه الأوروبيين مثل الرسامين الرومانسيين الألمان فيليب أوتو رونغي وكاسبار ديفيد فريدريش يقول البيان المصاحب للمعرض إنه على الرغم من أن هؤلاء الفنانين لم يلتقوا أو يتواصلوا أبدا في حياتهم فإنهم تشاركوا في إحساسهم بالفردية والإيمان بقوة الفن في خلاص مجتمع يمر بأزمة وفي السيرة التي كتبها في منتصف القرن التاسع عشر يذكر الكاتب البريطاني ألكساندر غيلكريست أن وليام بليك كان يعيش في عالم خيالي منذ صغره حتى أن والديه قد أحجما عن إلحاقه بالمدارس النظامية ويروي كاتب السيرة أن بليك قد عاد يوما إلى والديه وهو طفل صغير وعليه علامات الفزع ليخبرهم بأنه رأى في طريقه شجرة يجلس على أغصانها ملائكة صغار بأجنحة لامعة ويقال أيضا إنه تنبأ مرة لمعلمه ويليام ريلاند بأنه سيموت شنقا وهو ما تحقق بالفعل بعدها ببضعة أعوام هي روايات قد تتسم بالمبالغة بالطبع لكنها تشي بالطبيعة الغرائبية التي ميزت شخصية الشاعر والفنان لم تلق إبداعات وليام بليك تقديرا في عصره بل كان يحذر من شعره ورسوماته بسبب آرائه الثورية التي وصفت بالتطرف كما اتهم بالجنون والشطط في مواقفه بسبب آرائه المتعاطفة مع الثورة الفرنسية ومطالب سكان أميركا بالاستقلال عن بريطانيا إلا أن هذا الشاعر والفنان الذي اتسم بغرابة الأطوار ينظر إليه اليوم بصفته واحدا من أهم الشخصيات في تاريخ بريطانيا وقد صنفه استطلاع أجري عام 2002 في الترتيب الـ38 بين أهم مائة شخصية بريطانية في التاريخ في المقابل يلقى بليك في عصرنا الحالي تقديرا خاصا في الوسط الفني لما في تجربته من تشابه مع مفهومنا اليوم حول طبيعة الممارسة الفنية المعاصرة من حيث اعتمادها على وسائط عدة وأساليب مختلفة ومتداخلة في التعبير أنتج بليك مئات الأعمال المتنوعة والغنية بالرموز خلال مسيرته الفنية كما جمع بين الرسم والطباعة وكتابة الشعر بل مزج بينهما في أحيان كثيرة في أعماله ليشكل عالما أسطوريا يتسم بالتعقيد والعمق ويعبر في الوقت نفسه عن طبيعة عصره وثقافته يمكن القول إن وليام بليك كان تقدميا ومتجاوزا لعصره فقد ظهر في وقت كان الخلط فيه بين الوسائط المختلفة يعد ضربا من الجنون غير أن الفنان الإنكليزي لم يلتفت أبدا إلى هذه الأصوات الساخرة من فنه بل واصل عمله في إصرار وتحد كان فن بليك فريدا من نوعه بين فناني عصره في دمجه للكتابة والرسم في عملية إبداعية واحدة وفي استخدامه التقنيات الجديدة للجمع بين الصورة والنص ومن خلال تقنية الطباعة المضيئة التي ابتكرها تمكن من تكييف أدواته للتعبير عن رؤيته للعالم من حوله وخلافا لمعاصريه أيضا شدد وليام بليك في كتاباته وفنه على أهمية الخيال الفردي والإلهام في العملية الإبداعية رافضا التركيز الكلاسيكي على الدقة الشكلية التي اتسم بها الرسم والشعر في القرن الثامن عشر كما احتقر ثقافة التنوير والتصنيع المعاصرة التي تمثل الميكنة والاختزالية الفكرية في رأيه ورأى أن الخيال هو الطريقة الوحيدة للتخلص من الحجاب الذي يلقيه الفكر العقلاني على الواقع