ست وسبعون عاما على النكبة

٤٢ مشاهدة
على شاطئ البحر كأي غزي متنفسه الوحيد البحر قضيت أياما كثيرة في الاستماع إلى الشهادات العفوية من نازحي شمال القطاع لم أستطع للحظة واحدة منع نفسي من تذكر المسلسل الوثائقي التغريبة الفلسطينية ولدت بعد النكبة والنكسة ويوم الأرض واتفاقية أوسلو فأنا خلافا لجدي وجدتي لا أعرف فلسطين أنا من الجيل المدرك الذي قال عنه بن غوريون الكبار يموتون والصغار ينسون عشنا في ذاكرة لا تصدأ أنعشناها جددنا عهدنا وكلما ظن الإسرائيلي أننا انخرطنا تأقلمنا أو نسينا خرجنا له في كل مكان في الشوارع والجامعات والميادين أنا من تعلمت الكثير عن فلسطين ارتويت حب فلسطين من محمود درويش وغسان كنفاني والسيدة رضوى عاشور ومريد أنا من أعادتني أحداث النزوح القسري إلى ذكرى النكبة فما الذي تشاركناه نحن الغزيون من نزوحنا مجبرين من منازلنا تحت قناصة الاحتلال مع أجدادنا وما الذي اختلف في تجربتنا المعاصرة نزحت مع عائلتي تحت نيران القصف والأحزمة النارية تاركين خلفنا منزلنا لم نأخذ معنا شيئا سوى مفتاح البيت وحقيبة صغيرة تحتوي على الأوراق الثبوتية الرسمية وأخذنا نركض بلا هوادة لننجو من الموت المحتم وبعد أشهر من العدوان قصف البيت وظل المفتاح إن ما نعيشه من حروب متكررة على غزة آخرها الحرب الحالية هو نتاج نكبة 48 أعني أن الحدثين غير منفصلين بل مكملين بعضهما للآخر أما عن وجه الشبه والاختلاف ما بين تهجير الفلسطينيين عام 1948 وعام 2023 2024 ترى أن الاحتلال هندس في غزة واقعا يجبر الفلسطيني على الهجرة طواعية من خلال التدمير الممنهج وجعل البيئة طاردة للحياة وهذا شكل مغاير لتهجير 1948 الذي كان قسريا واختياريا في آن واحد وعليه فنحن اليوم نتعرض لأبشع حرب إبادة وتطهير عرقي لكننا ما زلنا قادرين على أن نحكي عن النكبة في الوقت الذي نباد فيه إبادة جماعية على مرأى العالم ومسمعه لقد كتب الفلسطينيون عن النكبة وما أنتجته من مأساة جماعية أو فردية يعيشها كل فلسطيني في وقتنا الحاضر سواء في غزة أو الداخل المحتل أو الشتات إلا أن هذه الإبادة المستمرة لشهور على القطاع جاءت لتعمق إحساسنا بالنضال والعمل الوطني والحراك السياسي الفاعل وبالحديث دائما عن النكبة حتى ولو كان ذلك من خلال الكتابة الحرة أن نكتب عن النكبة يعني أن نكون حاضرين وأن نقول قصتنا الجماعية وروايتنا الفردية في سياق المأساة يعني أننا ما زلنا أحياء وما زلنا نحلم بالعودة إلى الأرض يعني أننا ما زلنا متمسكين بحقنا وأرضنا وقضيتنا وروايتنا وما دامت الحكاية قابلة لأن تروى يعني أنها لن تموت اليوم أكثر من أي وقت مضى بت أعرف أن النكبة كانت حدثا مفصليا في تاريخ الفلسطينيين وأنها كانت تتويجا لكل هذه الإبادة ولخسارة هذه الأرض وهذا الوطن وحتى البيت وما مهد لما بعده من خيام وتشرد وشتات ولا أعرف حقيقة كيف أقوى على ابتلاع هذا الواقع كله الذي خلفته النكبة إلى اليوم ولكن عبثا أحاول في كل يوم إعادة ترتيب المشهد على الأقل لمزاولة مسؤوليتي تجاه وطني وقضيتي كفلسطيني وكغزي وكصحافي يقع على عاتقه أن يوضح للعالم سردية لهذه المدينة المنكوبة إن ما يحدث اليوم في القطاع يفوق كل لغة كل ما يحدث صادم بالطريقة التي تورث الخرس لو لم تحدث النكبة أو لو حدثت وانتهت لو لم تحدث النكبة كنت سأكتب عن الذين خرجوا من منازلهم واستطاعوا العودة ليمسحوا الغبار ويسقوا الزرع لا يوجد لاجئ فلسطيني لا يحلم بالعودة فهي ليست أمنية أو خيالا بل حق أصيل من حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة ولو لم تحدث النكبة كنت سأتبجح في مقال عن جمال فلسطين كلها وعن المساحات الخضراء لبلدتي الأصلية بئر السبع وريفها كنت سأكتب عن يافا وبيسان واللد والرملة وطبريا ورام الله وحيفا وصفد وكيف يذهلني وجود كل هذا الجمال في مكان واحد لم أزاول الحياة في المخيم كجدي وجدتي ولكنني عشت شهور الإبادة في القطاع بين ترهات المخيم اللعين المرة الأولى التي أعيد فيها بلورة تعريف حقيقي للمخيم بعيدا عن ديباجات التعريفات النظرية كل شيء في المخيم يظل يقدم لك درسا وشرحا واضحا عن النكبة ويذكرك بأنها جزء من هويتك الفلسطينية المرتابة دائما القلقة من شيء قد يحدث كأنها زرع النكبة الذي نبت فينا بداية من تشقق البيوت في الشتاء مرورا بكل الموجودات من حولك وربما تكونت هذه الصدمة من فعل القراءة السابق لتاريخ النكبة والهجرة التي تتطلب نهاية للحدث ومن كونها حدثا تاريخيا أو ذكرى مأساوية حصلت وانتهت حيث أتاحت لها أن تصير نصبا تذكاريا وموضوعا للدراسة والتأمل إذ كان الهجيج بداية لبنية مستمرة وحدث يومي معاش حتى الآن لكلمة النكبة وقع مختلف في ذاكرة الفلسطيني بل وفي تاريخ فلسطين كلها لأن التاريخ لا يتركنا وشأننا يظل يلاحقنا في كل مصائرنا في أوراقنا وجوازات سفرنا ويلحق بنا في المطارات كأن العالم لا يراك وفي ظل ما يشهده الفلسطيني من إبادة مستمرة وتشريد وتجويع كان لا بد من رواية للفلسطينيين وحدهم يحكون فيها عن نكبتهم وحاجة غزة خاصة إلى روايتنا نحن أبناءها وبناتها إلى الفرصة والمساحة التي نسرد بها روايتنا عن أنفسنا وعن تجربتنا داخل الحصار ومونولوج الحرب عن إرادتنا وأحلامنا عن طريقة تفكيرنا سياسيا وثقافيا واجتماعيا وعن أمنياتنا للمستقبل وحتى عن الجدل العميق حول المشروع الوطني لا يوجد لاجئ فلسطيني لا يحلم بالعودة فهي ليست أمنية أو خيالا بل حق أصيل من حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة وعلى الرغم من اختلاف السياقات التي يعيش فيها الفلسطينيون في مختلف مناطق وجودنا إلا أن ثمة سمة عامة متخيلة عن هذا الحق هو حق العودة إلى الأرض إلى فلسطين ولأن التاريخ يعيد ولادة نفسه نجد سردية التهجير ذاتها متأصلة بتفاصيل التطهير العرقي الذي حصل في نيسان إبريل من عام النكبة وخلق حالة القلق والبدء في رحلة المعاناة حيث ذاتها الأيام والليالي التي فرضت علينا التنقل كمجموعات من النازحين من مخيم لآخر والليالي التي اضطررنا فيها للنوم على الأرض دون فراش أو حتى غطاء بالرغم من موجات البرد والأيام التي قضيناها بلا طعام ولا مأوى ولا راحة والشاحنات التي كانوا يحملون فيها الرجال للتحقيق والتنكيل خارج البلاد هي ذاتها التفاصيل اليومية بلغة الإنسان المظلوم الذي يعيش تحت الاحتلال وفوق ذلك كله وقوفنا أمام مصير مجهول وخوف وقلق ومشاعر مختلطة من اليأس والحزن فإن النكبة شعور يومي متجذر فينا كفلسطينيين كل حدث في البلاد كل حركة تحصل في شمال البلاد تهز جنوبها والعكس صحيح كل عدوان على غزة تعتصر بسببه قلوبنا ويتفاقم شعورنا بالعجز وكل وجع تعيشه أمهاتنا في القطاع تبكي مقابله أمهاتنا في الضفة نحن الفلسطينيون المنثورون في كل بقاع العالم نحن أصحاب الأرض وهل لأي شيء في العالم أن يمحو الحقيقة نحن الجيل الذي أخذ على عاتقه أن يقول كلمته دون تردد أو خوف ولو كان الثمن مقابل ذلك حريتنا

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح