خمسة وخمسون عاما مضت وغدا ادخل في عمر جديد كتب د محمد مارم

عُمري الآن ليس مجرد رقم، بل حكاية طويلة كتبتها الأيام على مهل،
ومضت بي من مرافئ الطفولة الخجولة،
إلى صخب المسؤوليات،
إلى وقفات الشرف،
إلى لحظات الانكسار والفخر،
إلى ذلك الشعور الغامض الذي يزور الإنسان عند منتصف العمر…
شعور لا هو ندم كامل، ولا رضا كامل.
أسأل نفسي: ما الذي يستحق أن أحمله أمام قلبي حين أقول اهذا إنجازي؟
هل هي شهادة البروفيسور، التي كانت يومًا حلمًا بعيدًا؟
أم وسام رئيس الجمهورية الذي وضع فوق صدري تقدير وطن؟
أم لقب أفضل دبلوماسي في الشرق الأوسط،
أم تربية أبنائي، وصبري، وطيبتي مع الناس،
أم يدي التي امتدت لغيري، أخًا كان أو قريبًا أو إنسانًا عابرًا؟
أم تلك اللحظة التي وقفت فيها للدفاع عن الدولة والعرض والشرعية في منعطفٍ خطير من تاريخ بلادي؟
لا أدري…
فلا أحد يكاد يذكر شيئًا من كل هذا.
والمؤلم أن الصدى كان ضعيفًا…
كأن العمر مرّ من بينهم مرور الغريب.
ثم فجأة…
تذكّرني من لم أتوقع يومًا أنها ستتذكرني.
ماركاتٌ وعلاماتٌ تجارية تعاملتُ معها سنوات،
أرسلت إليّ رسائل تهنئة وخصومات.
ستاروفسكي، جوشي، بوس، كنالي، كنكريت، جفنشي،
حتى زارا ومانجو وسرار…
وكأنها تقول لي: “لم ننسَك.”
أما الذين جمعتني بهم الموائد والهموم والمواقف…
الذين حملتهم في قلبي…
فقد مرّ يومي عند أغلبهم بصمتٍ بارد.
وهنا… يشتد السؤال في داخلي:
بعد خمسة وخمسين عامًا،
ماذا حققت فعلاً؟
هل آذيت أحدًا؟ لا أتذكر.
لكن قلبي يستغفر كل مساء،
يتفقد ما قدّر الله أن يكون،
ويقول لكل من مسّه مني أذى: “سامحني… فلم أقصد.”
ورغم المسيرة الطويلة المليئة بالمحطات،
لم أصل بعد إلى تلك الراحة التي تقول:
“لقد أدّيت ما يكفي.”
شعورٌ يخبرني أنني لم أصنع السعادة كما تمنيتها،
ولم أبلغ الرضا الذي أبحث عنه، وفي الاغلب اسعاد غيري من الناس رغم كل ماعملت.
وإذا كنت لم أرضَ عن نفسي…
فكيف أرجو أن أبلغ رضا الله؟
لكن… حين أتأمل رحمة الله،
تخفت الأسئلة شيئًا فشيئًا،
ويأتي الجواب من فوق سبع سماوات:
ارسال الخبر الى: