لا وجود للشر معالجة معضلة باتزان بصري

٥٥ مشاهدة
ارتكز المخرج الياباني ريوسكي همغوتشي في لا وجود للشر 2023 على البعد التأملي بعد توظيفه مؤشرات ومرتكزات فلسفية وبصرية عدة خدم بها هذا المنطلق من جهات مختلفة وولد بها شعريات طافحة لمصلحة جماليات الفيلم وأبعاده الفنية معطيات عكست مرجعيته وأظهرت ميوله السينمائية إضافة إلى إبراز مهنية في سيناريو كتبه هو نفسه هادئ وقوي وعميق وضاج بأسئلة العالم الحديث انطلاقا من مشاكله المتعددة التي يطرحها التغير المناخي والتلوث وما اتصل بهما تجري أحداث لا وجود للشر ـ الفائز بـالأسد الفضي ـ جائزة لجنة التحكيم الكبرى في الدورة الـ80 30 أغسطس آب ـ 9 سبتمبر أيلول 2023 لـمهرجان فينيسيا السينمائي وجائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما ـ فبريتسي ـ في القرية اليابانية ميزوبيكي منطقة ريفية تبعد نحو ست ساعات برا عن طوكيو في هذا الفضاء الطبيعي يقيم أشخاص اعتادوا حياة العزلة وأحبوها بينهم تاكومي هتوشي أوميكا الزاهد بتصرفاته وأفكاره وأحلامه البسيطة يومياته متشابهة قطع الخشب وتخزينه جلب المياه من الينابيع قطف النباتات الموسمية التجول في الغابة والجبال مع ابنته الوحيدة هانا ريو نيشيكاوا ذات الأعوام الثمانية مرافقته في جولاته اليومية في الفضاءات الساحرة يعلمها أسماء الأشجار والنباتات ونمط عيش الحيوانات وتحركها كما يمارس نشاطات مع أهل القرية المعزولة تاكومي ليس عاديا بل لديه علاقة خاصة بالطبيعة يعيش العزلة بقناعة ويشارك الآخرين بها فمعظمهم مخيرون في عيشهم هناك هذا خيار فكري راسخ في كل فرد منهم لكن هدوء تاكومي وطمأنينته وعزلته بدأت تتأذى سريعا لأن مد المدينة وتوحشها يتسللان إليها بعد قرار إنشاء مخيم فاخر لشركة سياحية مقرها في طوكيو أرسلت إلى القرية مندوبين تاكاهاشي ريوجي كوساكا ومايوزوم أياكا شيبويا لإقناع سكانها بجدوى المشروع هؤلاء قدموا ملاحظات علمية ومقنعة كخوفهم من تلوث المياه مع إثبات أن هذا يشكل خطرا على الطبيعة ويخلق صعوبة في تنقل الغزلان البرية ويهدد المنطقة بالحرائق إلخ الشركة مهتمة بالربح مقابل أقل التكاليف فبات الاجتماع شكليا لإقناع الحكومة بأنها استشارت الناس هناك أحداث عدة تغير منطلق الفيلم بشكل أساسي توجه هماغوتشي واضح منذ البداية الانتصار للطبيعة والعزلة وحمايتهما من المشاريع المدمرة لم يقل هذا مباشرة بل عبر تفسير عملي لمفاصل العمل له هم الانتصار لقضية محورية مشركا المتلقي بهذه القضية لذا لا بد من نسج خيوط متينة ولطيفة ومتماسكة فأوجد معطيات مناسبة لها والبداية مقدمة طويلة نسبيا نحو خمس دقائق فيها صور ملتقطة بكاميرا متحركة وعدستها إلى الأعلى يوشيو كيتاجاوا لرؤوس أشجار مورقة تتخلل أغصانها خيوط نور بمرافقة موسيقية هادئة إيكو إيشيباشي بعدها تنقلت الكاميرا في الاتجاهات كلها داخل الغابة لإظهار تناسق الأشجار وخضرتها وامتداد الجبال وتنوع النباتات هكذا حاول هماغوتشي توجيه المتلقي إليها ليغرم بها وعندما يفعل هذا يستعرض علاقة الإنسان الإيجابي بها وهذا معطى زاد من شحنة التعاطف والتلاحم لينتقل بعدها إلى الإنسان السلبي الذي يحاول كسر هذا النمط وإزاحته ثم نقلت القضية من كاهل هماغوتشي إلى كاهل المتلقي بل ليشاركه في حملها لأنه أحس بأبعادها وضع هماغوتشي عنوانا تهكميا لفيلمه فيه تفاسير وتأويلات عدة أبرزها أن لا وجود للشر لكن الإنسان السلبي يخلقه الدليل على ذلك منطقة آمنة يفكر في تدنيسها وتلويثها من أجل المال لتحقيق المبتغى هناك طرق ملتوية لكن المخرج يعطي في المقابل أملا انعكس في تاكاهاشي الذي قرر الاستقرار في القرية لأنه مشوش ووحيد يبحث عن تغيير في حياته خاصة أنه يعمل مكتشف مواهب في القرية قرر اكتشاف حياة جديدة وترك عمله في الشركة رغم القصة الهادئة اتخذ هماغوتشي في النهاية طريقا أخرى تماما ضغط عبرها على المتلقي بأحداث قاسية ومفجعة وضبابية خاصة بعد اختفاء هانا طارحا احتمالات عدة منها غرقها في البحيرة المتجمدة أو إصابتها بمكروه يزداد الضغط أكثر بعد بداية الليل في الغابة وانتشار السكان فيها بحثا عنها عندها أصبح الشر موجودا لأن الغرباء أحضروه معهم من المدينة القاسية استطاع كيتاجاوا ضبط زوايا وإطارات بصرية مهمة معبرة وذات دلالات بصرية قوية خدمت الموضوع ووجهته وساهمت في إعطاء الفيلم بعدا بصريا وجماليا شارك في توليد سينمائيته وفنيته وقوى جوانبه الفكرية بتحويله الكاميرا إلى وسيلة تخدم القضايا البيئية والجماليات البصرية ومعها تولد لغة سينمائية ثرية ومتنوعة بالنسبة إلى أسلوب لا وجود للشر اعتمد هماغوتشي على لقطات طويلة نسبيا مع تأثيثها بصريا بصور مريحة وشاعرية لضمان استيعابها وتعاطي المتلقي معها بإيجابية مع طرد أي ملل مفترض كما اعتمد في بناء القصة على عناصر كلاسيكية عادية مقدمة وعرض وخاتمة لكن هذه البساطة خدمت الفيلم بشكل كبير لأن القصة القوية غطت على الجوانب الأخرى وجعلتها تختفي نسبيا كما وفق بدرجة كبيرة في اختيار ممثلين استوعبوا جوانب الموضوع وفهموا منطلقاته الحضرية فعكسوا كل طاقاتهم وقدراتهم وهذا تجسد في ملامح كل واحد منهم خاصة هتوشي أوميكا بملامحه الحزينة والغامضة وتصرفاته الرزينة والعقلانية بهذا كله بات لا وجود للشر معقولا بمجمله ومكملا سيرة السينما اليابانية الذاهبة دائما إلى مشاكل الإنسان الحديث بحفرها عميقا في أحلامه وكوابيسه المتعددة

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح