واشنطن تشارك تل أبيب احتلال القطاع
من الطبيعي ألّا يلقى مشروع القرار الأميركي المقدّم إلى مجلس الأمن حماسةً تُذكر من دول عديدة في عالمنا، ومنها الدول العربية والإسلامية المعنية مباشرة بالوضع في غزّة. ذلك أن مشروع القرار هذا، والذي يُتداول وتعديلاته منذ نحو أسبوع، محكوم برؤية أميركية واسعة تشكو من اختلالات جوهرية. وأول هذه الاختلالات اعتبار قطاع غزّة أرضاً يتنازع السيادةَ عليها أكثرُ من طرف، بما ينزع منها هُويَّتها الفلسطينية الممتدّة عبر قرون، وأنها جزءٌ من أرض أوسع تشمل الضفة الغربية المحتلة. ووفق هذه النظرة الأميركية التي تسترجع نظرةً استعماريةً قديمةً، فإن أبناء القطاع لا يقرّرون مصير هذا الجزء المهمّ من الأرض الفلسطينية، مع وعود مبهمة لهم بأن يتم ذلك في المستقبل وفقاً لتفاهم أميركي إسرائيلي. وهو ما يفسّر امتناع إدارة ترامب عن إجراء أيّ مباحثات مع الجانب الفلسطيني باستثناء اتصالات جانبية متقطّعةٍ منخفضة المستوى، ذلك أن الأميركيين ومعهم حكومة نتنياهو يدركون كما يبدو مصلحة الفلسطينيين أكثر من هؤلاء أنفسهم.
ومع إنكار أن غزّة أرض فلسطينيةً، وأن أبناءها وممثّليهم هم من يقرّرون مصيرها، فإن مشروع القرار الأميركي يراعي في كل سطر منه المؤسّسات الإسرائيلية، من الحكومة إلى جيش الاحتلال إلى الشاباك، وهذا هو الاختلال الثاني في مشروع القرار. فموعد الانسحاب من القطاع غير محدد، ومتروك لتقدير القوة الغاشمة التي ارتكبت حرب إبادة شنيعة في مدار عامَيْن. ولهذه القوة أن تحتفظ بوجودٍ مؤقّتٍ يطوّق القطاع من جميع الجهات، وذلك مقابل شرطة فلسطينية تنفيذية تخضع لقوة الاستقرار ولـمجلس السلام. وبينما يُطلَب من السلطة منذ سنوات إجراء إصلاحات جوهرية غير محدّدة، فإنه لا يُطلّب من حكومة نتنياهو مراجعة سلوكها وإصلاحه، وتغيير النظرة العنصرية المتوحّشة إلى أصحاب الأرض، إذ إن السلوك الإسرائيلي خلال العامَيْن الماضيَّيْن لا تشوبه شائبةٌ، والعالم كلّه، بما فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة، يقرّ بذلك على الدوام.
القوات المحتلة تتشبّث بالسيطرة على نصف مساحة القطاع، وتريد أن تحدّد المناطق التي ستجرى فيها إعادة الإعمار
ولهذا، فإن هيكلية الإجراءات التي ستتّبع، تكافئ قوة الاحتلال بسخاء، فالمطلوب ألّا تشكّل
ارسال الخبر الى: