اعتاد العرب أن يطلقوا على الأعوام أسماء مختلفة تطابق ما شهدوه فيها من أحداث وجوائح تحدثوا عن عام الجراد سنة ثمان من الهجرة ولا أدري ماذا كانوا يقولون لو شهدوا 2024 ورأوا جرادها المعدني المحمل بالقنابل الفوسفورية والعنقودية والخارقة للتحصينات تحدثوا عن عام الحزن سنة عشر من الهجرة وهي التي مات فيها أبو طالب وخديجة ولا أدري ماذا كانوا يقولون لو عاشوا معنا هول 2024 حين توحش الإنسان بقدر غير مسبوق واخترق القتل جدار الموت بأسرع مما تخترق الطائرات جدار الصوت تحدث العرب عن عام الرمادة وكان سنة 18 من الهجرة حين أصاب الناس قحط حتى صارت وجوههم في لون الرماد من الجوع وقيل كانت الريح تسفي ترابا كالرماد لشدة يبس الأرض كما تحدثوا عن عام الرعاف وكان سنة 24 من الهجرة وسمي بذلك لكثرة ما أصاب الناس فيه من الرعاف وعام الجحاف حين وقع بمكة سيل عظيم ذهب بالإبل وعليها الحمول فهل نرى في تلك التسميات ما يصلح لعامنا المنقضي هذا بما شهده من ضحايا توحش الإنسان وفتكه بأخيه الإنسان فضلا عن ضحايا الجوائح وجوعى المجاعات ومشردي الزلازل والأعاصير والخيبات تحدث العرب عن عام الفقهاء وفيه قتل الحجاج بن يوسف الثقفي سعيد بن جبير فهل نسمي 2024 عام الزعماء أم عام العلماء أم عام الشعراء وهو الذي شهد رحيل عشرات منهم بعضهم حتف أنفه وبعضهم في حفلات صيد البشر تحت مسمى الدفاع عن النفس الشعار الذي قتل تحت لافتته في غزة وحدها حسب منظمة صحافيون بلا حدود ما يناهز 150 صحافيا كانت 2024 سنة كبيسة حقا والسنة الكبيسة هي تلك الزائرة الثقيلة التي تأتي كل أربع سنوات محملة بيوم إضافي لا نعرف ماذا نفعل به كأن العالم لم يشبع من أيام السداد والفواتير والامتحانات والمحن وغيرها فجاءت السنة الكبيسة لتقول ها هو يوم إضافي للمعاناة لكن هذه التسمية لا تفي سنة 2024 حقها لقد كانت أكثر من كبيسة إلا إذا ذهبنا بالمعنى إلى وجوه أخرى من دلالات الكبس المختلفة مثل قولهم كبس البئر رمدها وطمها بالتراب أو قولهم كبس على فلان هجم عليه واقتحمه واحتاط به والحق أن هذا العام فعل بنا هذا كله وأكثر لقد طمنا طما وهجم علينا واقتحمنا وتركنا فريسة الكوابيس وعبثا نصرخ في اتجاه أصحاب الضمير الحي أو بقيته الباقية إذ يبدو أن الضمير كبيس هو الآخر ولد في 29 من شهر فبراير شباط لذلك يختفي يوم مولده ثلاثة أعوام فإذا دارت الدائرة وظهر في العام الرابع تكفلت به الحكومات وتسلمته ذئابها البشرية اقترح كاتب هذه السطور قبل عشرين عاما تسمية جديدة العام النسيء لم يكن العرب قد تحدثوا عن النسيء إلا نسبة إلى الشهور كانوا يعظمون الأشهر الحرم الأربعة ويتحرجون فيها من القتال فإذا قاتلوا في شهر حرام حرموا مكانه شهرا من أشهر الحل وقالوا نسيء الشهر وأول من نسأ الشهور على العرب وأحل منها ما أحل وحرم ما حرم القلمس ثم قام بعده نسله فكان يقف على جمل بمنى قائلا بأعلى صوته اللهم إني لا أخاف ولا أعاف ولا مرد لما قضيت اللهم إني أحللت شهر كذا ويذكر شهرا من الأشهر الحرم وقع اتفاقهم على شن الغارات فيه وأنسأته إلى العام القابل أي أخرت تحريمه وحرمت مكانه شهر كذا من الأشهر البواقي وكانوا يحلون ما أحل ويحرمون ما حرم أما في عامنا هذا وقبالة ما تعرضنا له من استباحة وعربدة واستبداد يبدو أننا لم نعد من المنسئين ولن نجد لنا مكانا شاغرا في مشهد النسأة الجدد ماذا نسمي هذه العام إذا ماذا نسمي هذا الذي لا يسمى ليكن عام الأمل على الرغم من كل المحبطات وكما قلت ذات عام شبيه كلما أطلقوا علينا المحبطات أطلقنا عليهم الأمل أمل يقف كلما أسقط يتحرر كلما حوصر يبعث كلما قتل أو شبه لهم وإذا كان هذا الأمل محتاجا إلى جذور يرضع منها فلنرضعه من نقيضه قال ريتسوس ولي أمل لا يتزعزع لأنه راسخ في اليأس كل عام وأنتم بخير