هشام جعيط في حوار مع كارم يحيى ملامح من سيرة المؤرخ ومشروعه الفكري

٣٣ مشاهدة
عام 2018 كان للصحافي المصري كارم يحيى لقاءات عدة مع المؤرخ التونسي هشام جعيط 1935 2021 في منزله بضاحية المرسى شمال تونس العاصمة وجرت خلال ثلاثة أشهر بين فبراير شباط ومايو أيار حيث حاور فيها الصحافي والمترجم ومراسل الأهرام في تونس صاحب أوروبا والإسلام 1978 ولكن هذه الحوارات لم تر النور إلا بعد ست سنوات في كتاب صدر حديثا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بعنوان هشام جعيط حوار في الفكر والتاريخ والسيرة ويمثل الكتاب بكلمات مؤلفه دراسة حالة لمثقف يبدو في الوهلة الأولى محافظا لكنه يبحث عن تواز بين التراث والحداثة وبين العروبة والإسلام وأوروبا وبين ما كان والراهن وما سيأتي وبين الذات والآخر أو بكلمات الباحث اللبناني خالد زيادة الذي قدم للكتاب لافتا إلى أن جعيط قد صنع ثقافته وحدد اتجاهه بنفسه تركز أسئلة يحيى في الفصل الأول بين التقليد والحداثة على الخط الفاصل بين المفهومين وعلى المسافة التي قطعها جعيط من تبني الاستشراق إلى نقده مع الاستفادة من أدواته وهنا يجيب المفكر والمؤرخ التونسي بصراحة قائلا لا أرى نفسي ممن ينتقدون الاستشراق والمستشرقين باعتبار أن كلهم فاسدون ومناوئون للإسلام لكن الإجابة تأتي في سياق عرض سيري عن العائلة الزيتونية المتدينة والنشأة في كنفها والتدرج في التحصيل العلمي والخلفية السياسية التي أثرت بطبيعة الحال في تكوينه الفكري تتيح هذه الحوارات المفتوحة بتقنيتها البعيدة عن الالتزام بالسجال الفكري المحدد وبما فيها من انسجام بين صاحب السيرة وفكره مجالا للتأمل بعمق في منجز مفكر أصيل استوعب آراء الكثير من المؤرخين العرب والأجانب لكنه في نهاية المطاف كتب مقولته التاريخية الخاصة حوارات مفتوحة على مواضيع شتى أجريت عام 2018 ويتابع جعيط بسط رؤيته التي يسميها النقد المتوازن محيلا إلى عمله أوروبا والإسلام 1978 الذي بين فيه تأثر المستشرقين بادعاءات التفوق الغربي لكن هذا لا يمنع أن بينهم من درسوا من كثب تاريخ الإسلام كماسينيون وفلهاوزن وأوضح في الفتنة جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر 1989 أن الرؤية الاستشراقية قاصرة حين تطلب مصادر متزامنة مع التاريخ الذي تكتب عنه فلو اتبعنا هذا المنهج لما أمكن أن يكتب المؤرخون الغربيون عن التاريخ الروماني فتيتوس ليفوس مثلا الذي عاش قبيل المسيح بقليل وكتب عن القرون الثلاثة قبله تاليا يعود المحاور في الفصل الثاني السيرة الذاتية والتكوين الثقافي إلى كتاب الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي 1974 في محاولة للتعمق أكثر بتفاصيل النشأة والتكوين العلمي والعوامل المؤثرة فيهما ولعل أبرز هذه المفارقات بين أجيال العائلة هو حضور الزيتونة بصفتها مؤسسة تعليمية أساسية في تكوين الأجيال الكبيرة منها كوالد هشام وأجداده مقابل المدرسة الصادقية تأسست على يد خير الدين التونسي عام 1875 عند جيله التي دخلها جعيط ابن مدينة تونس القديمة وهو في عمر الخامسة وبذلك مر بتجربة الكتاب لحفظ القرآن في أيام الآحاد وحسب في المقابل ظل نمط الحياة السوري تستخدم بالدارجة التونسية للدلالة على كل ما هو معاصر وغير تقليدي طاغيا رغم أن العائلة متدينة والوالد شيخ أما الجد فيحرص على اعتمار الشاشية الطربوش كذلك تحضر في استذكار هذه المرحلة الحرب العالمية الثانية والإنزال الألماني في تونس في تشرين الثاني نوفمبر 1942 كما يتطرق إلى حضور الفرنسية الذي ظل ضعيفا في هذه المرحلة من حياته مقارنة بالعربية التي لا يعتبرها لغته الأم بل التونسية وبالتالي لم يتقن لغة موليير حتى مرحلة البكالوريا السفر الأول لجعيط خارج تونس كان إلى الجزائر في سن السابعة عشرة وفيه اكتشف المؤرخ برفقة والده الفوارق بين البلدين حين كان الحديث بالعربية في الجزائر شبه معدوم لكن يبقى التوجه للدراسة في دار المعلمين العليا في برايس هي الخطوة الأهم في المرحلة التالية على الصادقية شعرت باعتزاز زائد كون تكويني نصف عربي نصف فرنسي حقا قبلت على نفسي التحدي هل أستطيع أن أزاحم الفرنسيين وفي ميدان ثقافتهم في ميدان هو قلب الثقافة الفرنسية وليبدأ عام 1955 بدراسة علم التاريخ في السوربون حتى حصل على شهادة التبريز عام 1962 واللافت أن في كل هذه السنوات لم ينشد جعيط إلى أي نشاط سياسي مكتفيا بمتابعة السياسة من بعيد فقط ومن دون أن يجعل أحداثها تؤثر في انكبابه المنقطع على الدراسة بل إن القارئ يلحظ في نبرته وهو يستذكر تلك المرحلة والإرهاق الذي صاحبها في تحصيله العلمي وكأنها ماثلة حقا أمام ناظري الشيخ الثمانيني وهو يتحدث إلى محاوره يرى أن القسمة بين وجدان عربي وعقل أوروبي استعمارية وعلى مستوى آخر يتناول جعيط في هذا الفصل من هذه الحوارات قصة كتابه الكوفة نشأة المدينة العربية الإسلامية 1986 وعلاقته بكلود كاهان الذي اشتغل معه مرحلة الدكتوراه وهو من عرفه على كتاب مشابه حول البصرة ألفه المؤرخ العراقي صالح أحمد العلي تحت إشراف هاملتون غب وتجربته بين عامي 1962 و1968 في الكتابة لصالح مجلة الفكر التي كانت جماعة فكرية تضم محمد مزالي والبشير بن سلامة وعبد المجيد بن جدو والمضايقات الأمنية التي تعرض لها بعيد احتجاجات 1968 التي امتدت لتشمل الأكاديمية التونسية وغضب بورقيبة منه إثر اعتذاره عن كتابة تاريخه الشخصي الثلاثية الفكرية عنوان الفصل الثالث وفيه تبحث أسئلة كارم يحيى في العلاقة بين كتب الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي صدر بالفرنسية أولا عام 1974 وأوروبا والإسلام بالفرنسية 1978 وأزمة الثقافة الإسلامية وهي نصوص كتبت بين السبعينيات ومطلع القرن العشرين ويوضح جعيط أن هذه الكتابات جاءت ردة فعل على ما وجدت عند مثقفين تونسيين درسوا في فرنسا من احتقارهم للمشرق العربي وابتعادهم عنه وفي سياق الحديث عن الكتاب الأول يلفت إلى نقده النظم السياسية العربية بعيدا عن ابتذال مصطلح الفاشية ذات الواقع التاريخي الأوروبي ومقاربته لهذه الأنظمة من باب الاستبداد الشرقي الذي تحدث عنه مونتسكيو وماركس وهيغل أما كتابه أوروبا والإسلام وصدر في العام ذاته الذي صدر فيه الاستشراق لإدوارد سعيد فنجد جعيط يشدد على أنه لا يدخل في نقد الاستشراق والمركزية الأوروبية وحسب في الوقت عينه الذي ينطلق فيه بكتابه هذا من أن ولادة أوروبا للتاريخ قد تمت ولم يكن بإمكانها أن تتم إلا عبر الإسلام وأن فراغ القرن العاشر الميلادي بأوروبا يتوافق مع امتلاء القرن الرابع الهجري ذروة الكلاسيكية الإسلامية وحول تزامن صدور هذا الكتاب مع الاستشراق يعرب جعيط عن أن كتاب سعيد لامع ومكتوب بأسلوب يعبر عن ثقافة واسعة لصاحبه لكن العرب صفقوا للكتاب لأنه مكتوب من أميركي قالوا آه كتبه عربي أميركي ويضيف لا يوجد شيء اسمه عقل عربي وعقل أوروبي هو عقل إنساني لكن لكوني عربيا يصح القول بأن وجداني عربي لكن تظل الفكرة في هذا التقسيم بين عقل ووجدان على هذا النحو استعمارية ويختتم الكتاب بفصل أخير حول ثلاثية السيرة النبوية في السيرة النبوية الوحي والقرآن والنبوة 1999 وفي السيرة النبوية تاريخية الدعوة المحمدية في مكة 2006 وفي السيرة النبوية مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام 2015 ويعتبر جعيط الثلاثية أهم عمل أنجزه وأنه لم يكتب بيوغرافيا بل انطلق من كتابة تاريخية بالصفة النقدية الكلاسيكية المعهودة كذلك يميز المؤرخ التونسي في حديثه إلى كارم يحيى اختلاف ما اعتمد عليه في كل جزء من هذه الثلاثية ففي الجزء الأول اعتمد على القرآن لتدقيق مفهوم الوحي وما حدث في فترة التنزيل الأولى من دون الاعتماد على السير وما كتبه المستشرقون لكنه التفت أيضا إلى سوسيولوجيا الأديان وفي الجزء الثاني يشير إلى عودته إلى ابن إسحق وكذلك سير البلاذري والطبري وطبقات ابن سعد أما في الجزء الثالث فاعتمد سيرة ابن إسحق ومغازي الواقدي إلى جانب دراسة المدينة وفقا لمنهج جامع بين النواحي الإنسانية والاجتماعية والطبوغرافية مؤكدا موقفه النقدي الصارم من موجة المستشرقين الجدد التي بدأت في السبعينيات وعلى رأسهم باتريشا كرون وتندرج ضمن الأوهام أكثر من التاريخ الحقيقي

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح