هزيمة العقل
لم تكن قضية الشعر المنحول، في كتاب في الأدب الجاهلي. وهو النسخة المقبولة رقابيا من كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين، الذي ثار ضده التطرف والتزمت الديني، أو الخلاف حول صحة رأي العميد، أو عدم صحته، تشكل محور لنقاشاتنا، نحن الشباب الذين كنا في العشرين من العمر، في تلك السنة من عام 1970 في جامعة دمشق، بل المنهج الذي اتبعه في دراسة الشعر، وتحرير العقل، والإصلاح الثقافي للعقل العربي، والبحث عن سبل النهوض بالمجتمع. وكما كان الأمر، وقد يبقى، فإن الأساتذة في قسم اللغة العربية، لخصوا فكر طه حسين في موضوع اسمه: الشك الديكارتي، يرفض عبد المنعم تليمة، وكذلك غالي شكري في تناولهما لفكره، أن يحشر منهجه في خانة ضيقة واحدة، وحيدة هي الشك، دون إغفال أهمية ذلك.
في تلك السنة دهشنا ونحن نقرأ عن انفلات الحشود التي لا تقرأ، للتظاهر ضد مادة قرائية من بضعة أسطر سربها لها بعض المتعصبين مشفوعة بتفسيراتهم، وتمكنوا ببساطة شديدة، وبطريقة شفوية للغاية، من تحريكهم ضد الكتاب، وضد المؤلف نفسه، فصودر الكتاب، وأرغم الكاتب على حذف النص المزعج، وإعادة إصدار الكتاب بعد تغيير عنوانه.
كنا نعتقد أن العلمانية، والعقل، والدين المعتدل، قد أرغموا التطرف والتزمت الديني على التراجع، أو الانكفاء، أو أنهم قد أسقطوا مشروع التطرف كله، إذ كانت تفصلنا عن كتاب طه حسين أكثر من خمسين سنة، وهي مدة كافية لمحو ذلك الأثر السيئ الذي تركه المتطرفون.
آثرت جميع القوى غير المتعصبة، أن تلجأ إلى الصمت
غير أنه كان وهماً، فالتطرف والتعصب والرغبة في الإقصاء، أو التصفية، والقمع، كانت هي القيم التي تكاد تسيطر على وعي الجماهير الباطن. سقط المشروع القومي، والماركسي، وسقطت العلمانية، وسقطت المشاريع الاقتصادية، وتحولت البلاد إلى مستعمرات تحكم عبر الهاتف من الخارج، بدلا من التدخل العسكري المباشر. بينما بقي المشروع السلفي وحده قائما، مرة عبر التنظيمات الفاعلة على الأرض، ومرة أخرى عبر السكن في الضمير الشعبي العام الموجه، والمشبع بفكرة المظلومية التي أدارها قادة الفكر السلفي بمهارة.
ارسال الخبر الى: