قررت الحكومة المصرية رفع سعر الخبز المدعوم بنسبة 300 بعد تثبيت السعر أكثر من 36 عاما ليسقط بذلك الحائط الأخير الذي كان يستند إليه المصريون في مواجهة شظف العيش بعد زيادة أسعار السلع الأساسية بما فيها المدعومة إذ خفض الدعم المخصص لزيوت الطعام والسكر والأرز والمكرونة وهي مكونات أساسية في طعام الأسرة المصرية من الطبقة الفقيرة خصوصا وذلك بعد حلقات متوالية من خفض الدعم الحكومي الخدمات الأساسية شملت بصفة خاصة الكهرباء والوقود وزيادة رسوم كل الخدمات العامة مثل النقل الجماعي وتوصيل المرافق فضلا بالطبع عن الضرائب بأنواعها وإصدار وثائق الهوية واعتماد المستندات وغيرها من المعاملات الرسمية بشكل عام لم تترك الحكومة المصرية أي مصدر لزيادة إيراداتها من المواطنين إلا وأمعنت في استغلاله لقد وصلت السلطة في مصر إلى أبعد مدى في التجرؤ على ثوابت اقتصادية واجتماعية مستقرة منذ عقود وكانت قد حاولت شن هذه الهجمة على خبز الفقراء قبل ثلاث سنوات حين قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن الوقت قد حان لرفع سعر الخبز فلا شيء يبقى على حاله 30 عاما ثم جرى التراجع عن تنفيذ هذه الخطوة وقتئذ يكشف اتخاذ الحكومة تلك الخطوة أن العجز عن إدارة الدولة وسد العجز المزمن في الموازنة العامة بات ضاغطا بشدة إلى حد جعل المواجهة المجتمعية بديلا محتملا بالمقارنة مع وطأة العجوزات المتتالية على الأقل في حسابات دوائر السلطة وتقديراتها إذ اعتادت اللجوء إلى الطريق السهل وهو استنزاف أرصدة المواطنين وميزانياتهم من ثم تنفيذ خطوة رفع أسعار الخبز بعد ثلاثة أعوام من إعلانها صراحة تعني اطمئنان الحكومة المصرية إلى ردات الفعل الشعبية والتداعيات المجتمعية المتوقعة رغم تصاعد حالة التململ بين عموم الطبقات الفقيرة والمتوسطة بسبب زيادة أعداد الجاليات الوافدة خصوصا السودانيين غير معروف بالتأكيد مدى صدقية قياسات الرأي والتقديرات التي أعدتها أجهزة الدولة واستند إليها في تلك الطمأنينة خاصة أن الشعب المصري معروف عنه قوة التحمل والصبر طويلا ثم الانفجار فجأة وبغير مقدمات لكن يبدو أن السلطة الحالية في مصر أصابها الغرور بعد صمت المصريين وتحملهم موجة الغلاء وقسوة المعيشة فلم تعد تستشعر أي خطر أو احتمالات اضطراب نتيجة قراراتها القاسية وتوجهاتها الإفقارية بامتياز والدليل أن خفض الدعم ورفع أسعار الاحتياجات الأساسية للمواطنين ليس البديل الوحيد المتاح وليس الخيار الأفضل بالمطلق بل إن الدعم الموجه إلى الفقراء والمخصص لسلع حياتية مثل الخبز لا يمثل سوى نسبة ضئيلة 2 3 من إجمالي الإنفاق الحكومي بل تراجعت كلفة دعم الخبز في مصر خلال الأعوام القليلة الماضية بتخفيض حجم الرغيف المدعوم وتقليص أعداد المستفيدين منه وإجبار زارعي القمح المصريين على تسليم المحصول كاملا للجهات الرسمية وتجريم تداوله خارجها لو كانت الحكومة المصرية قد استغرقت الأعوام الثلاثة الماضية في توسيع نطاق زراعة القمح وتنفيذ المشروع الخيالي مليون فدان لما احتاجت اليوم إلى رفع سعر الخبز ولانخفضت فاتورة استيراد القمح بنسبة أكبر من قيمة دعم الخبز 300 مليون دولار فقط لكن الأمر يتجاوز حدود استسهال الضغط على المواطن فالإمعان في إفقار المصريين اقتصاديا وقهرهم سياسيا إنما يؤكد أن دوائر الحكم والنخب السلطوية كلها تخرج من معين واحد مهما تبدلت الأزمنة كما لو كانت بعضها يستنسخ بعضا بل يبدو أن تلك الحالية أشدها عنادا وأقلها اتعاظا وإلا لتعلمت الدرس من محاولة أنور السادات المساس بالخبز ولما غامرت بانتهاك عيش المصريين ومعيشتهم