أستاذ التاريخ السابق في الجامعة الأميركية في واشنطن العاصمة واسمه آلان جي لختمان Allan Jay Lichtman اكتسب شهرة واسعة لأنه يتنبأ بالفائز في الانتخابات الأميركية وقد طور مع الأستاذ الروسي في علم الزلازل فلاديمير كيليس بوروك نموذجا لذلك التنبؤ يقدم فيه ثلاثة عشر مفتاحا للنجاح ويقول إن على الحزب الحاكم ألا يخسر أكثر من خمسة مفاتيح ليكون أقرب للفوز أما إذا خسر ستة مفاتيح أو أكثر فسيكون مآله الفشل وقد نجح نموذجه منذ عام 1984 في التنبؤ خلال الانتخابات العشرة التي أجريت منذ ذلك الحين حتى العام 2020 في النتيجة الصحيحة تسع مرات والمرة الوحيدة التي فشل فيها هي نتائج الانتخابات الأميركية عام 2000 عندما قررت محكمة العدل العليا أن تحل عقدة عدم تمكن أي من الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي من تقرير النتيجة بشكل حاسم بسبب مشاكل في الآلات التي استخدمت في التصويت وقد منحت المحكمة في ذلك العام المرشح جورج بوش الابن الفوز على خلاف ما تنبأ به البروفسور آلان لختمان أما التنبؤ بنتيجة الانتخابات الأميركية العام الحالي 2024 فإن القرار ذهب لصالح الحزب الديمقراطي حيث يتوقع لختمان أن يفوز الحزب الديمقراطي ومرشحته كامالا هاريس بالرئاسة مسجلة لنفسها شرف فوز أول أمرأه بهذا المنصب والواقع أن المنطق يقول إن احتمالات فوز كامالا هاريس في الانتخابات الأميركية جيدة جدا ولعل أهم مؤشر يهتم به الناخب الأميركي هو الوضع الاقتصادي داخل الولايات المتحدة ووفقا للتقارير فإن الاقتصاد الأميركي خلال النصف الأول من عام 2024 وحتى نهاية شهر يونيو حزيران قد حقق واحدا من أعلى معدلات النمو في الدول المتقدمة وارتفع سعر الدولار حيال معظم العملات الرئيسية في العالم اليورو والإسترليني والين وأن نسبة البطالة قد انخفضت مقابل خلق فرص عمل جديدة كثيرة ولذلك فإن الطبقة العاملة أصحاب الياقات الزرقاء خاصة في ولايات المنتصف الغربي حيث معظم الولايات المتأرجحة مثل ويسكونسن ميشيغان مينيسوتا وإلينوي وأيوا وولايتي جورجيا في الجنوب وأريزونا في الغرب قد بدأت تشعر بالانتعاش ولذلك فإن اتحاد نقابات العمال الأميركي AFL CIO قد قرر الوقوف مع المرشحة هاريس وتأييدها ولضمان استقرار هذا التيار في النمو فإن هاريس قد وعدت في برنامجها الاقتصادي بأن تقوم بتقليص الضرائب على الطبقة المتوسطة ومنح حوافز للأعمال الصغيرة والمتوسطة من أجل إنعاش الطبقة المتوسطة الأميركية وبالمقابل فإن ترامب يعد بأن يحرك الاقتصاد عن طريق منح الأغنياء والشركات الكبرى إعفاءات ضريبية على أمل أن تستثمر أموالها لتخلق فرص عمل جديدة إذن الهدف واحد عند الحزبين وهو التركيز على النمو وخلق فرص العمل ولكن الحزب الجمهوري بقيادة دونالد ترامب يرى أن الأغنياء هم الأضمن لتحقيق ذلك بينما يرى الديمقراطيون بقيادة هاريس أن الأغنياء يمنحون فرص عمل كبيرة للعمال خارج الولايات المتحدة أما هي فتعطي الطبقة المتوسطة الأكثر ولاء وارتباطا ببلدهم هذه الفرصة ومن يشجع الأغنياء وكبرى الشركات يسمى محافظا ومن يدعم العمال والشركات الصغيرة والمتوسطة يسمى ليبراليا ويسعى كل طرف ليظهر معتقداته ضمن شعارات براقة ولذلك يترجم ترامب شعاره دعونا نعيد لأميركا عظمتها ثانية بينما تنادي هاريس بأن أميركا هي دولة عظيمة وسنجعلها أعظم وضمن هذين الموقفين تبرز الخلافات حول سياسات الهجرة أو السماح للعمال من دول أميركا اللاتينية وغيرها من دول العالم بالدخول إلى الولايات المتحدة وإذا زرت البلد مؤخرا فسوف ترى أن مستوى الخدمة في المطاعم ومحلات الخدمة مثل البائعين وغيرها من الأعمال قد تدنى وتعلن عن حاجتها إلى موظفين ولا تجدهم ولذلك فإن باب الهجرة لا يمكن إغلاقه ولكن ترامب المتحمس لبناء الجدران على الحدود يتهم الديمقراطيين بأنهم لا يتصدون للهجرة غير المشروعة ويسمحون للعمال غير الشرعيين بالتسلل عبر الحدود أما الديمقراطيون فهم لا يصرحون بحماستهم للتوسع في استيراد العمالة سوى للمتفوقين والمهرة منهم ولكن الحاجة عمليا هي أكثر لعمال الخدمات العادية والتي لا تتطلب مهارات خاصة وأما الموضوع السياسي الأهم في الولايات المتحدة فهو الحرب على قطاع غزة والتي تشن بأسلوب همجي بشع وأثارت مناظرها الغاشمة غضب الكثيرين في الولايات المتحدة والعالم احتجاجا ليس على بنيامين نتنياهو وطغمته المتطرفة فحسب ولكن على الولايات المتحدة التي يسعى ساستها إلى الوصول إلى اتفاق لتبادل الأسرى وإلى إيقاف إطلاق النار في الوقت الذي يقومون فيه بتزويد إسرائيل جهارا نهارا بالذخائر الفتاكة والأسلحة المتطورة ويقدمون لهم المعلومات الاستخباراتية ويشاركونهم في الاغتيالات والقتل ضد قادة المقاومة ولكن الولايات المتحدة وبخاصة الحزب الديمقراطي لا تريد توسعة الحرب ولكنهم فشلوا حتى الآن بإقناع الحكومة الإسرائيلية بالقبول بمقترحاتها لإنهاء الأزمة وقد وضع نتنياهو الإدارة الأميركية الحالية أمام أزمة خانقة فهو يستخدم المتطرفين في حكومته لكي يعطي لنفسه مزيدا من الفرص للتفلت من أي التزام يوقف الحرب متذرعا بأن ذلك قد يؤدي لسقوط حكومته وإذا فشل الحزب الديمقراطي في إنهاء القتال في غزة والضفة الغربية قبل الانتخابات الأميركية فقد يحجم كثير من الغاضبين بسبب الحرب عن الذهاب للتصويت ما قد يكبد الديمقراطيين خسائر مهمة في الولايات المتأرجحة وإن خسروا هذه الولايات فمن المستبعد أن يفوز الحزب بالانتخابات ولو افترضنا أن المرشحة هاريس وفريقها أقنعا المؤيدين للحق الفلسطيني في الولايات المتأرجحة بالتصويت لصالحها ولكنها لم تنجح بالذي وعدتهم به فإنهم سوف يتخلون عن الحزب في انتخابات منتصف الفترة أو عام 2026 عندما يقترع الناخبون لاختيار ثلث أعضاء مجلس الشيوخ وكامل أعضاء مجلس الممثلين وثلث حكام الولايات وعدد كبير من المناصب الأخرى في الولايات المتحدة وإذا خسر الديمقراطيون الأغلبية أو زاد الجمهوريون أعضاءهم فصاروا الأغلبية فإن كامالا هاريس ستكون رئيسا ينطبق عليه مصطلح البطة العرجاء الانتخابات الأميركية ليست محصورة في القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية بل هناك قضية أخرى هامة وهي الإجهاض خاصة للنساء اللواتي يتعرضن لتهديدات صحية أو لأسباب جاء الحمل فيها غير مخطط له الديمقراطيون يريدون أن يحتفظوا بحق الإجهاض ضمن حدود وآخرون ليبراليون لا يريدون انتقاص حق المرأة في حرية الاختيار كما يقولون أما الجمهوريون المؤيدون لإلغاء حق الإجهاض فهم إما يريدون أن يترك تقرير ذلك للولايات الفرادى وليس للحكومة الفيدرالية أو يسمونه الانتصار للحياة Pro Life ويريدون منعه أو حصره ضمن ضوابط متشددة وسيبقى أنصار كل رأي متمسكين برأيهم لفترة طويلة أما الدول العربية فهي منقسمة الرأي حول من أجدى لهم فالأردن وفلسطين ودول أخرى ترى في فوز الديمقراطيين على عيوبهم أملا أكبر من الجمهوريين بقيادة ترامب الذي يهدد ويتوعد بنصرة إسرائيل أما بعض دول الخليج فترى أن ترامب أقرب إليها من الحزب الديمقراطي خاصة في ظل قيادة هاريس الليبرالية إلى حدود تتعدى أفضلية هذه الدول في هذا الموضوع أنا أقول إن المواطن غير المهتم بمن يفوز لا يرى فرقا بين الحزبين وكلهم مؤيد لإسرائيل والتاريخ الأميركي يقدم أدلة على ذلك أما السياسيون فيبحثون عن الفوارق بين الحزبين لأنه وإن بدا أحدهما هامشيا أفضل من الاخر فإن السياسيين سيستثمرون هذا الهامش للوصول إلى مآربهم وأنا أعتقد ومنذ أشهر أن ترامب وبايدن لم يكن لهما سوى أمل ضئيل في النصر ويبدو أن هاريس تقود حملة ذكية وأعتقد أنها ستفوز في الانتخابات على الرغم من أن هذا المقال كتب قبل المناظرة التي جرت مساء الثلاثاء الماضي