ذا نيويوركر مئة عام تلك اللغة القائمة على المفارقات
بثت منصة نتفليكس أخيراً وثائقياً بعنوان ذا نيويوركر: مئة عام، الذي يتضح من عنوانه أنه احتفاء بواحدة من أبرز المجلات في العالم، ذا نيويوركر، التي انطلق عددها الأول في فبراير/ شباط عام 1925، وما زالت حتى الآن حاضرة، محافظة على نبرتها المتعالية الساخرة والمهنيّة، إلى جانب مواضيعها المشوّقة. مجلّة يبدو قرّاؤها أشبه بـطائفة يجمعهم حسّ الدعابة والجديّة والاختلاف عن متصفحّي الجرائد.
يكشف لنا الوثائقي كواليس احتفال المجلة بنفسها وكتابها وهويتها، إذ نتعرف إلى مُنشئها هارلود روس وزوجته، بوصفها مساحة للتعبير عن روح المدينة بصورة ساخرة، إضافة إلى الالتزام بالعمل الصحافي الجدي، لتجمع بين التقارير الصحافية المعمقة والقصة القصيرة، والأهم رسوم الكارتون.
لعبت ذا نيويوركر دوراً محورياً بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصاً بعد إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناكازاكي في اليابان. حينها، لم يكن الجمهور الأميركي على معرفة بحجم الدمار الذي شهدته المدينتان، ما دفع الصحافي جون هيرسي إلى زيارة هيروشيما، وكتابة نص طويل يحمل اسم المدينة، يصور فيه الأهوال التي شهدتها. صحافياً، كان هذا النص الذي أفردت له المجلة حينها كلّ صفحاتها، بداية شكل جديدة من الصحافة القصصية، إذ يعتمد الكاتب على السرد القائم على الحقائق، لينقل إلى القارئ تجربة لا تقتصر على التقرير، بل اختبار الحدث الذي يجسّه الصحافي بوصفه شخصاً ومراقباً، يتفاعل مع ما يحصل حوله.
يركز الوثائقي على أسلوب عمل الصحافي، خصوصاً الكتّاب الدائمين، أولئك الذين لا يعملون وراء المكتب، بل يهبطون على الأرض، لاكتشاف الظواهر والأحداث، سواء كان الأمر يتعلق بحفلة موسيقية، أو ضابط نازي في سورية؛ فالمجلة تستهدف مفهوم الكاتب ذي المهارة السرديّة، فهو يختبر بجسده وقلمه الظاهرة التي يبحث فيها. هذا النوع يتركنا أمام قصص ذات طابع شخصي تنقل جوانب غير مألوفة للقارئ؛ فالكاتب هو الأساس، ولا نتحدث عن الكاتب العادي، بل ذاك القادر على الملاحظة والرصد والتفسير والالتزام بمعايير ذا نيويوكر. نقصد مثلاً نبرة السخرية الدفينة والوقوف على المسافة نفسها من الموضوع. نقصد تلك اللغة القائمة على المفارقات، واستخدام علامات الترقيم المميزة.
ارسال الخبر الى: