نقطة صفر جديدة
يوضح التضارب في التصريحات حول المسؤولية عن العملية الإرهابية التي طاولت كنيسة مار إلياس في منطقة الدويلعة في قلب دمشق، وخلفت أكثر من 25 شهيداً وعشرات المصابين، كيف أن سورية تعود أمنياً إلى نقطة الصفر، فبينما سارع إعلاميون ومحللون مؤيدون للحكومة المؤقتة باتهام حلف الأقليات بالتفجير لسحب المسيحيين، المسالمين والمطيعين كما يجرى توصيفهم حالياً، إلى هذا الحلف الافتراضي، وتحويلهم إلى أعداء للنظام الحاكم. أعلنت الحكومة نفسها أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو المسؤول عن العملية، وعرضت صور لمداهمات لعناصر التنظيم المسؤولين في سرعة استثنائية تشي بأن الحكومة تريد إغلاق هذا الملف بأسرع وقت ممكن، ليُصدر فصيل يدعى سرايا أنصار السنة بيانا يتبنّى فيه العملية، ويسمّي الجهادي الذي فجّر نفسه، ويتوعّد بالمزيد لمن يرفض التوبة والتخلّي عن دين الكفر والدخول في الإسلام.
هكذا يعود السوريون إلى نقطة الصفر في فهم ما يحدُث، وفي الخوف من عملياتٍ مشابهةٍ تستهدف الجميع، وفي مفهوم المواطنة والوطن، وفي مصداقية النظام الحاكم، ذلك أن هذا التضارب في تحميل المسؤولية لجهة ما يشي بالفجوة الكبيرة التي يعيشها السوريون وبالانقسام المهول في قلب المجتمع السوري، فحلف الأقليات الافتراضي وهم يشيعه أنصار النظام لإظهار أن الحكم الجديد محاطٌ بالأعداء الداخليين الذين يمنعونه من التقدّم أية خطوة في تحقيق ما وعد به. هذا الحلف شمّاعة جديدة تشبه شمّاعة إسرائيل والإرهاب في زمن نظام الأسد. بينما يشكل تنظيم داعش الورقة الرابحة في يد الحكومة التي تترك لأنصارها اختراع عدو داخلي (الأقليات)، ليعزّز مظلومية أكثريةٍ تؤجّل الغضب الشعبي العام، بسبب الفشل الحكومي في كل شيء؛ وتتبنّى هي محاربة داعش أمام الرأي العام العالمي؛ وهو ما يجنّب الحكومة أية مساءلة عن أي انتهاك أمني ما دام داعش موجوداً. لكن بيانات مثل بيان فصيل أنصار السنة يعيد تفنيد الحقائق والوقائع إلى البداية.
البداية أو نقطة الصفر هي أن المجتمع السوري يعيش حالة من الاستقطاب المهول، ويدلّ على أن الحكومة المؤقتة لا تفكر في بناء دولة (عن قناعة أو عن نقصٍ في فهم معني الدولة)،
ارسال الخبر الى: