نقد الأكاديمية المعاصرة تشريح مؤسسة زومبي في زمن

23 مشاهدة

هل يمكن للجامعة أن تبقى فضاءً للمعرفة وهي تزداد تشبهًا بشركة عملاقة تُدار بعقلية السوق؟ وهل يستطيع الأكاديمي أن يحافظ على جوهر اشتغاله الفكري وسط عالم يطالبه بأن يكون موظفًا ممتازًا أكثر من كونه مفكرًا حرًّا؟ هذه الأسئلة تُطرح بإلحاح مع تفاقم ظاهرة ما يسميه بيتر فليمنغ Peter Fleming (أستاذ دراسات التنظيمات في جامعة التكنولوجيا بسيدني) «الأكاديمية المظلمة»، حيث تتآكل الروح الفكرية للمؤسسة الجامعية تحت وطأة لغة الإدارة الحديثة، ويتحوّل البحث العلمي إلى سلسلة من المهام القابلة للقياس والمراقبة.

عندما يصف فليمنغ في كتابه Dark Academia: How Universities Die الجامعة بأنها مؤسسة زومبي، فهو لا يبالغ. لأن الجامعة تظهر حية بطقوسها القديمة: محاضرات، مجالس علمية، لجان، مؤتمرات، مكاتب عامرة بالأوراق...، لكنها في العمق جسد منهك، فارغ من الحياة التي كانت تمنحه معنى: فضول معرفي، نقاشات حرة، حبّ للبحث من أجل البحث ذاته. ما تبقى اليوم هو قشرة شكلية تحمي منظومة تقوم على لغة التميز والأثر والعلامة التجارية، وهي لغة لا تنتمي إلى أصحاب المعرفة بقدر ما تنتمي إلى مديري التسويق.

المنظومة الجديدة لا تُقيّم الأستاذ بقدرته على التدريس أو بعمق أسئلته، وإنما بقدر ما ينتج من مخرجات قابلة للحساب والقياس. هنا ينقلب الأكاديمي إلى آلة إنتاج مستمرة، يُطلب منها أن تكتب بلا توقف، أن تحصل على التمويل بلا كَلَال، وأن تتابع مؤشرات الأداء كما لو كانت موظفًا في بنك. هذه الآلية لا تخلق معرفة، بقدر ما تخلق قلقًا دائمًا، وإحساسًا بأن كل إنجاز ناقص حتى يثبت العكس. النشر أو الفناء لم تعد مجرد عبارة، وإنما بنية كاملة من الضغط تفرض على الباحث حالة وجودية من الخوف، تجعل حياته المهنية سلسلة من سباقات لا نهاية لها.

وتحت هذه الطبقة الإنتاجية الأكاديميين، يتسع جهاز إداري ضخم يفرض رقابة يومية على التفاصيل: نماذج يجب تعبئتها، تقارير يجب تقديمها، خطط يجب تحديثها...، وبهذا فما يزدهر اليوم ليس المختبرات ولا النقاشات العلمية العميقة، وإنما المكاتب الإدارية التي تتحكم في كل حركة داخل الجامعة. وهكذا، تصبح

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح