نقابات سورية تدمير عمود فقري للسياسة في عهد الأسد 1 2
٥٧ مشاهدة
عاشت سورية خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي أحداثا مزلزلة أسست لما وصلت إليه البلاد لاحقا من تغول سلطة الأسد الأب إلى وراثة الأسد الابن ومن ثم انفجار سورية وثورتها عام 2011 لنصل اليوم إلى حالة البؤس وانعدام الأمل وحال التشتت والضياع والهوان الذي يعيشه معظم السوريين في هذه المادة عبر حلقتين وقبلها عبر ذاكرة غسان النجار أمين سر نقابة المهندسين في حلب محاولة لفهم ما حدث خلال الصراع بين نظام حافظ الأسد الأمني العسكري مع جماعة الإخوان المسلمين وطليعتهم المقاتلة والتي استغلها النظام للقضاء على أي شكل من أشكال معارضته وإعلان وفاة السياسة بل وحتى المجتمع ليحيا قائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد في هذا الصراع الذي تركز بداية في مدينة حلب وانتهى في مدينة حماة قضي على حركة مدنية نادت بدولة القانون والحريات ونظام سياسي ديمقراطي وتجلت بحركة النقابات التي تصدرت الصراع السياسي مع النظام بالدعوة إلى إلغاء الأحكام العرفية وإنهاء سيطرة حزب البعث على الدولة وإطلاق سراح المعتقلين وحرية العمل السياسي والحقوقي والصحافي لعبت نقابة المحامين الدور الأبرز بتبني هذه المطالب والدعوة للإضراب العام في سورية والذي كان مقررا في 31 1 1980 وأجل شهرين بناء على وعود وتمنيات من عبد الرؤوف الكسم رئيس الوزراء حينها كان دور نقيب محامي حلب وعضو الهيئة العامة للنقابة في سورية سليم عقيل في هذا الحراك أساسيا وعندما خرج من المعتقل أصيب بالعمى الجزئي فلم يستطع تدوين مذاكرته فقام ابنه الأكبر خالد بهذا الأمر ونشر مذكرات والده مسجلا أيضا مشاهداته كطالب في جامعة حلب عن تلك المرحلة بكتاب إرث ثورة الصادر عام 2021 عن دار زقاق الكتب في إسطنبول لم يف النظام بوعوده عند تأجيل الإضراب العام وبدلا من ذلك اعتقل أعضاء النقابات ولاحقا عمل على حلها وتعيين قيادات موالية له بدل القيادات المنتخبة كذلك شن النظام حملة عسكرية وأمنية شديدة العنف على حلب وإدلب وجسر الشغور وغيرها انتهت بسقوط آلاف الضحايا والمعتقلين وإخراس المجتمع حتى عام 2011 حول تلك المرحلة كان حوارنا مع خالد عقيل عن ذكريات والده وشهادته عن أحداث حلب 1980 أنت ابن الراحل سليم عقيل نقيب محامي حلب وعضو مجلس الشعب في بداية عهد الرئيس حافظ الأسد وأيضا المعتقل السياسي لمدة تسع سنوات من عام 1980 حتى عام 1989 كيف حصل هذا التحول عاصر والدي الاحتلال الفرنسي طالبا في مدرسة التجهيز الأولى في مدينة حلب ثانوية المأمون وكان رئيسا للجنة الطلابية التي كانت تنظم المظاهرات عام 1936 وقد اغتال أحد الضباط الفرنسيين خلال المواجهات بين المتظاهرين والطلاب تخرج والدي في كلية الحقوق في دمشق ومارس مهنة المحاماة وكان عضوا في الحزب الاشتراكي العربي برئاسة أكرم الحوراني وعندما دمج الحزب مع حزب البعث ترك أبي الحزب الاشتراكي انتخب نقيبا لمحامي حلب أواخر عام 1969 واستمر حتى عام 1973 وعندما زار حافظ الأسد مدينة حلب الزيارة الوحيدة للأسد الأب إلى حلب على عكس ابنه بشار الذي زار المدينة مرات عديدة بعد حركته عام 1970 والتقى بفعاليات المدينة ومنها نقابة المحامين طالبه والدي بالإفراج عن ستة محامين معتقلين وبالفعل أفرج عنهم خلال اللقاء مع رابطة المحاربين القدماء اقترح رئيسها عادل ميري على الأسد انتخاب أعضاء مجلس الشعب المزمع تشكيله بدلا من التعيين فرد الأسد بتعذر الوقت فاقترح ميري أن يعين رؤساء النقابات كونهم منتخبين ووافق الأسد على الاقتراح وبالفعل أصبح والدي عضو مجلس الشعب الذي شكل عام 1971 ولمدة عامين كان والدي فعالا في مجلس الشعب خاصة في موضوع الدستور عام 1973 ولا سيما حول مادة دين الدولة الإسلام حيث كان والدي مؤيدا لتلك المادة كونها كانت موجودة في دستور عام 1950 كذلك عارض والدي المادة الثامنة التي تقول بقيادة حزب البعث للدولة والمجتمع انتهى النقاش حول مادة الإسلام دين الدولة بتسوية عبر وضع مادة تقول إن دين رئيس الدولة الإسلام وعندما انتهى هذا الدور التشريعي كان هناك عشاء وداعي لأعضائه بحضور رئيس الدولة وعندما صافح الأسد والدي شكره على جهده في المجلس وأضاف أن لديه ملاحظة عليه وهي أنه استغل مناقشات المجلس حول الدستور ونقلها إلى الشارع محرضا مما سبب خروج مظاهرات في حلب وحماة في انتخابات مجلس الشعب عام 1973 شكل والدي قائمة كاملة قائمة الأحرار لمنافسة قائمة الجبهة واكتسحت القائمة الانتخابات إلا أن التزوير حصل فأعلن عن نجاح أربعة فقط من القائمة هم إبراهيم السلقيني مفتي حلب لاحقا زين العابدين خير الله عبد الكريم عزيزي عادل حج مراد واستبعد والدي تكرر الأمر في انتخابات عام 1977 ولكن هذه المرة لم ينجح أحد من قائمة الأحرار وفازت قائمة الجبهة الوطنية التقدمية كاملة ساهم والدكم مساهمة كبيرة في الحراك النقابي خلال ما عرف بأحداث الثمانينيات لو تحدثنا عن ذلك أصدرت نقابة المحامين في أواخر عام 1979 بيانا دعت فيه إلى حل الحكومة ومجلس الشعب وإطلاق الحريات العامة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والتوقف عن الاعتقالات والإعدامات الميدانية والابتعاد عن الحل الأمني والإعلان عن انتخابات لمجلس الشعب حرة نزيهة كما أعلنت عن إضراب عام يبدأ في 31 1 1980 ولكن رئيس الوزراء آنذاك عبد الرؤوف الكسم دعا مصدري البيان لاجتماع في بداية الاجتماع حاضر الكسم بالمجتمعين مذكرا إياهم بالهجمة الإمبريالية الشرسة وعن لزوم التحصن في خندق واحد وطلب منهم إلغاء الإضراب رد والدي بأننا لسنا في خندق واحد وقال له ما مفاده نحن في خندق الحريات وأنتم اغتلتم الحريات واحتكرتم السلطة فغضب الكسم ولكن المحامي عمر الهيب تدخل مذكرا الكسم أنه دعاهم للاستماع إليهم ولا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تسمعوها كما قيل للخليفة عمر رضي الله عنه جرى التوصل إلى تأجيل الإضراب شهرين لتحقيق مطالبهم التي وعد الكسم بتلبيتها وإن لم يحصل ذلك سيستقيل وينضم إليهم وفي ختام الجلسة عانق والدي هل هذه الدعوة للإضراب كانت باسم نقابة حلب كان في سورية ثلاث نقابات للمحامين في دمشق وحلب واللاذقية ولكن عندما صدر قانون توحيد النقابات عام 1973 وحدت النقابات الثلاث في نقابة محامي سورية ماذا حصل بعد ذلك تصاعد الحراك في مدينة حلب وعمت الاعتصامات والإضرابات والمظاهرات المدينة وتصاعد الدخان بسبب حرق الدواليب في أحياء حلب القديمة يوم الثلاثاء 3 3 1980 وكنت يومها من منظمي تظاهرة الجامعة فحوصرنا في كلية العلوم وكانت الوحدات الخاصة تطلق علينا الرصاص الحي فهربنا من الأبواب الخلفية ووصلت إلى منزلنا في شارع بارون الذي كان كتلة سوداء حيث أحرقت الباصات العامة وسيارات الحكومة ومكاتب الطيران ما عدا مكتب الخطوط الجوية السعودية لماذا أحرقت الجمعيات الاستهلاكية وأكشاك الخبز طبعا أنا لا أوافق على هذا الشكل من الاحتجاج ولكنه الغضب الشعبي هل كانت هذه المظاهرات بدعوة من الإخوان المسلمين أو الطليعة المقاتلة حراك الطليعة المقاتلة حرك الماء الساكن بسبب الرد الأمني والعسكري العنيف من النظام كان عندي أصدقاء من الطليعة سألتهم حينها ما هي خطتكم وقد أصبحت المدينة تحت نفوذكم كان الجواب نحن نتوقع انشقاقا عسكريا لقد هز حراك 1980 عرش حافظ الأسد وقد حمل النظام مسؤولية ذلك سياسيا للنقابات وتحديدا نقابة المحامين خرجت الأمور عن السيطرة يوم الجمعة 7 3 حيث حصلت مجزرة باب الحديد حين خرج المتظاهرون بعد صلاة الجمعة من جامع أسامة بن زيد بحي أقيول كان خطيب الجامع والد المفتي أحمد حسون وأطلقت عليهم الوحدات الخاصة الرصاص وقتلت حوالي خمسين متظاهرا هل فاوض النظام قبل اقتحام المدينة أرسل النظام لجنة أمنية اجتمعت مع فعاليات المدينة المختلفة وكانت تطلب فك الإضراب وإيقاف التظاهر وصلنا إلى يوم الإضراب العام 31 3 ماذا حصل لم تضرب سوى مدينة حلب وجسر الشغور وإدلب فيما كان الإضراب جزئيا في حماة نزلت الوحدات الخاصة وحطمت المحال التجارية ودخلت دبابة إلى حرم القصر العدلي وقامت دورية من الأمن السياسي باستدعاء والدي لمقابلة نديم عكاش رئيس الفرع وفي المساء أرسلوا عنصرا أمنيا طلب حضوري مع حقيبة تحوي بعض لوازم والدي الذي كان قد جهز الحقيبة سابقا لكونه قد اعتقل عدة مرات منها مرة في عهد البعث الأول عندما كان أمين الحافظ وزيرا للداخلية كان أمين الحافظ قريبا وزميلا لوالدي في الثانوية وكان قد أصدر قرارا بعد ما سمي ثورة آذار 1963 باعتقال المناوئين للتوجه الوحدوي هل كان سليم عقيل ضد الوحدة إطلاقا كانت لديه ملاحظات على موضوع الحريات وحل الأحزاب والدتي محامية مصرية وقد التقاها والدي في أحد مؤتمرات المحامين في مصر وكنت أنا أول مولود في دولة الوحدة من زواج من الإقليمين الشمالي والجنوبي رائد الفضاء محمد فارس يروي خالد عقيل تزوج النقيب الطيار محمد فارس ابنة عمتي هند عقيل عام 1978 أوفد إلى ليبيا لتدريب الطيارين الليبيين في فترة أحداث حلب عام 1980 وضمن برنامج إيفاد رائد فضاء سوري للاتحاد السوفييتي تم اختياره مع 80 طيارا للخضوع لفحوص اللياقة البدنية ونجح مع زميل له وكان سفره لموسكو عام 1985 1987 وبعد انتهاء فترة الدراسة والتدريبات تم اختياره رائد فضاء أساسيا وزميله احتياطا في 22 يوليو تموز 1987 انطلقت الرحلة الفضائية السوفييتية السورية المشتركة إلى محطة مير الفضائية واستمرت أسبوعا قام خلالها محمد فارس بتنفيذ مهام بإشراف علماء سوريين وكانت المحادثة الشهيرة بين حافظ الأسد وفارس من على متن محطة مير الفضائية طلبت من محمد فارس قبل مقابلته حافظ الأسد التدخل للإفراج عن والدي وعدني بذلك مع اختياره للوقت المناسب قبل دخول فارس إلى مكتب الرئيس انفرد به سكرتير الرئيس أبو سليم دعبول وطلب منه أن تكون المقابلة مع الرئيس مقتصرة على الرحلة الفضائية خلال حفل استقبال تم في حلب على شرف محمد فارس وكان من الحاضرين رئيس الأمن العسكري في حلب مصطفى التاجر ورئيس أمن الدولة بحلب عمر حميدة وصل رواد الفضاء إلى الحفل المذكور وقف الحضور جميعا وبدأ التصفيق الحار ورد عليهم محمد فارس بالتحية وأمسك كلتا يديه لتحية الحضور هنا قال مصطفى التاجر لا يا محمد فارس لم يفعل تلك الحركة في سورية سوى شخص واحد يقصد حافظ الأسد