لم نعد نملك وطنا ندفن فيه بكرامة

يمنات
محمد الخامري
في أيام الحداد الماضية، وبينما انا مشغول بالوفاة والتكفين ومراسم الوداع والقبر واستقبال المعزين، أحسستُ حجم الخسارة التي مُنينا بها كيمنيين، لا على مستوى الفقد الشخصي فحسب، بل على مستوى الوطن بأسره..
كنتُ أفكر في نقل أم رياض رحمها الله لتدفن بجوار والديها في صنعاء، وكم كنت أتمنىٰ أن تكون الرحلة الطبيعية لتشييع من نحب، رحلة واحدة من بروكسل إلى صنعاء؛ طائرة واحدة، ثم وداع في مقبرة واحدة بين الأهل والأحبة الذين افترقنا عنهم منذ عشر سنوات..
لكن التفكير اليوم بمثل هذا الأمر يبدو شبه مستحيل، إذ يجب عليَّ أن أحجز عدة تذاكر لعدة شركات طيران، وأمرّ عبر عدة دول، وأنتظر في المعابر والمطارات، وأتحمل امتهان كرامة الميت بين الطائرات وموظفي الشحن وانتظار الترانزيت في رحلة طويلة ومؤلمة، حتى أصل إلى عدن..
ومن هناك تبدأ رحلة عذاب أخرى نحو صنعاء، أطول وأوجع من سابقتها، معنويا على وطن ممزق، وماديا على أرض الواقع بين اطراف الصراع ونقاطهم العسكرية وتضاريس الجبال والأودية والطرق البديلة..
حينها أدركتُ أن خسارتنا الحقيقية ليست فقط في أحبّتنا الذين اختارهم الله إلى جواره، بل خسارتنا الجمعية كيمنيين أفدح وأكبر من ذلك بكثير، لقد فقدنا وطن كنا نسافر إليه بكرامة، ولانعرف قدره..!!
أدركتُ أننا لم نعد نملك دولة تجمعنا، ولا نظام يحترم إنساننا، ولا أرض نستطيع أن نُوارِي فيها موتانا بسلام.
وفيما انا مهموم بهذه الافكار المؤسفة؛ استوقفتني ملاحظة مهمة لم ننتبه لها جميعاً، بل ربما ضاعت في ضجيج الحرب وحمى الاصطفافات السياسية، وهي ان أطراف الصراع في اليمن بكل اطيافهم وتوجهاتهم لم ينشغلوا ببناء الدولة أو استعادتها كدولة مستقلة ضمن النظام العالمي، بل كان ولازال جل اهتمامهم وشغلهم الشاغل طيلة العشر السنوات الماضية؛ مهاجمة بعضهم البعض، بالسبّ والشتم والتحقير، وإطلاق جيوش إلكترونية وذباب لاتتوقف عن صناعة الترندات وتتبع العثرات، وكأن المعركة في الفيسبوك والتويتر أهم من معركة استعادة الوطن وكرامته وامنه واستقراره..
لم نرَ مبادرة جادة أو تحرك صادق لإنهاء الحرب أو إعادة اليمنيين
ارسال الخبر الى: