حين نظن أننا الأبطال
يحلم المرء بأن يكون بطلاً في حكايةٍ ما. أن يظهر في السرد وجهاً ناصعاً، يتحرّك بضميرٍ مطمئن، ويخرج من كل فوضى وقد ازداد نقاءً. لكن الحقيقة التي يتجنّب كثيرون الاعتراف بها أننا جميعاً، في مكانٍ ما، وفي رواية أحدهم، قد نكون الأشرار الذين شوّهوا المشهد من دون قصد، أو الذين تركوا جرحاً في صفحة أحدهم، بينما كنّا نعتقد أننا نمنح الدواء.
ثمّة جملة قرأتها يوماً، لا أتذكّر قائلها، لكنها سكنتني بعمق: في رواية أحدهم، أنت البطل الشرير في القصة. كم تبدو هذه العبارة بسيطة في ظاهرها، لكنها قادرة على قلب توازن المرء الداخلي رأساً على عقب، لأنها تجرّده من امتياز الرؤية الواحدة التي اعتادها. نحن نروي حكاياتنا دائماً من زاوية الضوء التي نقف فيها، وننسى أن شخصاً آخر يقف في الظلّ ذاته، ينظر نحونا بالاتهام نفسه الذي نحمله له.
حين يتأمل المرء هذا الاحتمال بصدق، يدرك كم أن الحكايات ليست إلا مساحات رمادية واسعة تتنازعها وجهات النظر. كل فعلٍ بطولي قد يُرى من الجهة الأخرى خيانةً، وكل قرارٍ نبيلٍ قد يترك في قلبٍ بعيد أثراً يشبه الطعنة. نحن لا نملك أن نتحكّم في الطريقة التي يُعاد بها سردنا، لأن الذاكرة البشرية لا تنقل الحقيقة، بل تروي ما اختار الألم أن يتذكّره.
كم مرّةً شعر أحدنا أنه أنقذ موقفاً ما، بينما الآخر كان يراه انهياراً؟ كم مرّةً ظنّ أنه نطق بالحكمة، بينما سمعها الآخر كإهانة متعمّدة؟ نحن نحمل نيّاتنا دروعاً، ونظنها كافيةً لحمايتنا من سوء الظنّ، لكن الدروع لا تمنع السهام التي تُرمى من خلف القلوب المجروحة.
أكثر ما يدهشني في العلاقات البشرية هشاشتها الشديدة أمام سوء الفهم، وكأن اللغة، على جمالها، كائن خائن يتبدّل معناها بين فمٍ وآخر. الكلمة الواحدة يمكن أن تكون حبّاً هنا، وازدراءً هناك. الابتسامة نفسها يمكن أن تُفهم بادرةَ ودٍّ أو إعلانَ استهزاء. نحن نسير في هذه الحياة مثقلين بتأويلات الآخرين لنا، وهم يسيرون مثقلين بتأويلاتنا لهم، وكل طرف يظنّ أنه يملك النصّ الأصلي، بينما يقرأ
ارسال الخبر الى: